وراء الحدث

وراء الحدث
د. هاشم غرايبه

من كان يظن أن الله ينصر عباده #المؤمنين في #ساحات #القتال فقط، فهو مخطئ، فالله معهم دائما يكلؤهم برعايته ويحفظهم بحفظه، طالما أنهم ينصرونه بنصرهم لمنهجه، وطمأنهم الى ذلك بقوله: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ” [محمد:7].
والدليل على أن وسائله في نصرتهم كثيرة ومتعددة السبل، قوله تعالى: إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا” [التوبة:40]، فالله تعالى قادر أن ينقل رسوله من مكة الى المدينة في طرفة عين كما نقله سابقا ليلة الإسراء، لكنه أراد لأمته الناشئة أن تتدرب على الاعتماد على النفس وإعداد العدة، لأن أمامها مجاهدة للكفار طويلة مضنية الى يوم الدين. كما أن بمقدرته أن يرسل ملائكة يذودون عنه في طريق هجرته، لكنه أراد له أن يبذل كل مستطاعه لتدبير أمره، ولما فعل ذلك، نصره بأن أعمى عنه عيون أعدائه، فأرسل من جنوده أضعف خلقه: عنكبوتا بنى بيته فوق باب الغار ليموه عليه، وحمامة بنت عشا وباضت فيه لتوحي بأن الغار ليس فيه أحد.
في حادثة هروب الأبطال #الأسرى #الفلسطينيين الستة من معتقل ” #جلبوع” في شمال شرق فلسطين التي يحتلها الكيان اللقيط، يهتم كثيرون بالتفاصيل الروائية، لكننا هنا يجدر بنا أن نهتم بما وراء الحدث، فهنالك الكثير مما يجب استنباطه:
1- كثير من الأمور التي تعتبر في التفكير الواقعي مستحيلة، هي في حقيقة الأمر صعبة جدا، لكن الإرادة والعزيمة يفرضان على العقل البحث عن حلول لها، مهما كانت الإمكانات قاصرة.
فحفر نفق عميق وبطول يزيد عن عشرة أمتار بمعلقة صدئة، يحتاج جهدا مضنيا وسنوات من المثابرة والإصرار، فكيف إن كان ذلك بالخفاء عن أعين الحرس الشديد والتفتيش الدقيق، والمراقبة بالتقنيات المتقدمة التي لا تغفل أعينها ولا تنام! ..لا شك أن ذلك يرفع درجة الاستحالة ليصبح العمل ضربا من الجنون.
واذا أضفنا الى ذلك ان كمية التراب المستخرجة كبيرة، ويستحيل إخفاؤها، كما أن النفق عميق وجهد حفره كبير مما يستلزم كمية كبيرة من الأكسجين للحفار، فكيف تم تدبير ذلك من غير جلب الانتباه..!؟.
إذا فذلك خارج القدرات البشرية العادية، فما كانت لتتم بهذا الكمال وحسن التدبير، إلا بمعونة موجد النواميس الكونية.
2 – النجاح في الخروج من النفق لا يعني النجاة، فما زالت الصعوبات ماثلة، فهؤلاء الأبطال لا شك سيجدون الملجأ الأمين لدى كل شعوب الأمة وليس الفلسطينيين فحسب، فهم سيحمونهم ولن يسلموهم للعدو، لكن الخيانة موجودة مثلما هو موجود الوفاء، فالسلطة الفلسطينية التي تدير الشؤون المعيشية للفلسطينيين الرازحين تحت احتلال العدو، هي وكيلة له، تحفظ له أمنه وتنفذ أوامره، وأهم واجباتها “التنسيق الأمني الخياني”، لذلك فقد شمرت عن ساعديها للبحث عنهم، لأجل تسليمهم للمحتل الباغي وليس لمساعدتهم في النجاة، وكذلك ستفعل أجهزة أمن كل الأنظمة العربية إن ظفرت بهم.
لذلك ندعو الله عز وجل بأن يعمي عنهم عيون أحفاد “سراقة بن مالك”، ويكمل فرحة الأمة بنجاة هؤلاء الأبطال، بأن يوصلهم سالمين الى “قطاع غزة”، فهي المنطقة الوحيدة في ديار الأمة، التي تعتبر آمنة من أيدي الأعداء ووكلائهم.
3 – هذا الذي حدث يجب أن يلهم أبطال الأمة المتمسكين بمنهج الله، والساعين لتحريرها مما هي فيه من تبعية وانقياد لأعدائه، أن يستلهموا العزيمة ويستعيدوا الهمة التي كانت وسيلة بناء هذه الأمة في نشأتها، وبها قهرت المستحيلات، فيحفروا النفق الذي ستخرج الأمة به من سجنها، وتنهض متخلصة من أغلالها، لتعود لتتنسم نسائم الحرية بعد قرن طويل من المهانة والإذلال.
ولا يقعدنهم قلة الحيلة عن هذا الطلب، ولا الحرس العلماني الشديد عن بلوغ الأرب، فمهما حوصروا ومنع عنهم السلاح، سييسر الله لهم سبيلا إن صدقوا معه، مثلما يسر للمحاصرين في غزة السبل، وفتح عليهم أبوابا عوضت ما أغلقه منافقو العربان دونهم.
الصادقون لا تغلق دونهم السبل، فهنالك دائما نفق يجعله الله مخرجا لمن يتقيه ولا يخشى من دونه أحداً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى