رفقا بالفاسدين!!!

رفقا بالفاسدين!!!

كتب.. د.عبدالحكيم #الحسبان
#الفاسد #إنسان، والفاسدون بشر، أو هكذا هم يعتقدون. وهم ومهما اقترفت أيديهم من فساد، وهم مهما رأت عيونهم من أكوام الخراب جراء ما فعلت أيديهم، إلا أنهم مرهفو الحس والإحساس، أو هكذا هم يعتقدون. وهم حتى في ذروة إجرامهم وفسادهم، يعتقدون بتفوقهم الأخلاقي والوطني، وأن فائض الوطنية والخلق والضمير الذي يعتقدون بامتلاكه لا يمكن أن يمس, ولا يمكن أن تشوبه شائبة مهما رأوا من أكوام الخراب والدمار والجثث والهياكل العظمية جراء فعلهم وفسادهم.
ولان الفاسدين مرهفي الإحساس، فهم سريعو التأثر وتظهر على محياهم علامات التأثر والغضب وليس الخجل، وهم تجرحهم كلمة تشير ولو بالتلميح إلى فسادهم أو قل إجرامهم ، او حتى كلمة لا تشير إلى أسمهم أو ملامح وجههم القبيحة، قد تجرحهم كلمة تشير فقط إلى كوم الخراب والعبث والألم والظلم الذي كان الثمرة والحصاد المر لأفعالهم المشينة ولمستوى عبثهم بالانسان والوطن والمؤسسة الذي فاق التصور وبات ضربا من السوريالية.

ولأنهم مرهفي الإحساس فهم لا يحتملون أي نقد أو نصيحة أو حتى إشارة إلى كوم الخراب بل كوم الجثث وجبال العبث الذي راكموه في البلاد وفي الديار. ولأنهم بشر مرهفو الإحساس فهم يألمون، -أو هكذا يريدون أن يقولوا لنا-، لأي كلمة عتاب، وهم يألمون لأي صرخة ألم أو وجع لمريض لم يعد يجد الدواء لان المؤسسة أو الجامعة التي يعمل بها أفلست بفعل فساد وعبث وخبث وسوء الطوية لدى هؤلاء من مرهفي الحس والإحساس.
صحيح أنهم خرجوا بالملايين كثمرة لفسادهم، وبعضهم خرج بالمليارات الكفيلة بأن تجلب السعادة لهم، والكفيلة بأن تجلب الكثير من الدفء لأجسادهم وأجساد أطفالهم، والكافية لان تغرقهم في كل ملذات الحياة، وأن توصلهم إلى كل ملاذات المتعة والأمن والآمان، والكفيلة بأن تبني اسما لهم في عالم المال وبما يحقق لهم ذاتهم، وبما يجلب الرضا عن الذات كما يقول علم النفس.
ولكنهم يريدون الزبدة كما يريدون ثمن الزبدة، كما يقول المثل الفرنسي الأثير. هم يريدون الثروة والحياة والكرسي ومزاياه ويريدون ممارسة العبث والفساد بأكثر أشكاله سوريالية، ولكنهم ورغم حصولهم على الزبدة إلا أنهم يريدون ثمنها أيضا. هم يريدون المال المسروق، ولكنهم يريدون في الوقت عينه الشرف الرفيع والاسم النقي والسمعة الطيبة، وهم يغضبون ويرتعدون من كلمة أو صرخة ألم قد تمس باسمهم رغم أنها لا تمس بثروتهم التي باتت بأمان وباتت تتمتع بالحماية داخل الديار وما وراء البحار.
الفاسدون مرهفو الإحساس لا يألمون لموت المؤسسة أو الجامعة، ولا ترى عيونهم أو يتخيل عقلهم رعشات أجساد العاملين في المؤسسة او الجامعة جراء برد الكوانين، بعد أن حرم فسادهم وعبثهم العاملين في المؤسسة حق الدفء في الشتاء، وبعد أن ذهبت الموازنة السنوية المعتادة للإنفاق على التدفئة في الجامعة إلى سبيل آخر غير التدفئة ولتغطي بندا آخر في الموازنة أفقره عبثهم وفسادهم.
ولان الفاسدين مرهفو الحس، فهم وبرغم الملايين التي خرجوا بها من عملهم بل عبثهم بالمؤسسة والجامعة، فهم يعتقدون بأنهم الضحية، وهم وبرغم أكوام الثروة والمال الحرام الذي جمعوه، فهم الضحية، وهم يصرخون من على المنابر الافتراضية بأنهم سعيدون لأنهم ينامون مظلومين وليسوا ظالمين. وبعد أن عرفنا من كلامهم أنهم الضحية، وأنهم المظلومون، فعلينا أن نعرف أن الظالم هنا هو من فقد عمله جراء فسادهم، أو هو من فقد كثيرا من حقوقه في الطبابة وزيادة الراتب جراء عبثهم وفسادهم، أو هو من فقد كل عناصر بيئة العمل الضرورية لتمكنه من الإنتاج ومن العطاء بما يخدم بلده وجامعته ومؤسسته.
رفقا بالفاسدين! ولان الرفق بالفاسدين هو مطلب هؤلاء، فعلى الضحية أن تصمت عن الكلام، كما عليها أن تتوقف عن الارتعاش جراء برد الشتاء ونقص وقود التدفئة، كما على المريض أن يعض على جرحه وألمه جراء انتظاره الطويل في قوائم من ينتظرون العمليات الجراحية، كما على العالم الجليل الذي آثر أن يجلس في زاوية صغيرة من بيته هربا من جو العمل الذي بات مسموما أن يخفي كل علامات الامتعاض أو كل إيماءة قد تخرج من عينيه أو شفتيه، يمكن لها أن تجرح مشاعر وإحساس مرهفي الإحساس هؤلاء، كما يمكن لها أن تزعجهم وهم يقومون بمهامهم النبيلة.
فرفقا بالفاسدين، وليكن شعارنا بدءأ من اليوم، نموت نموت ويحيا الفاسدون.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى