دبلوماسي استرالي سابق يتحدث عن “محمد بن سلمان”: يلمع نفسه وهذا ما يخشاه

سواليف

طوال شهورعديدة، نجح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في إعطاء الانطباع بأنه مختلف جداً عن الحرس القديم ، من خلال الظهور بمظهر أكثر ديناميكية وأكثر حسمًا ، والأهم من ذلك كله ، أكثر انفتاحا من أسلافه. ولكن ماذا لو كانت حملته الإصلاحية التي يقودها هي في الحقيقة مجرد رتوش تخدم في الحقيقة مصالحة الذاتية كما يقول أنطوني بوبالو الباحث والدبلوماسي السابق، الذي عمل في السعودية، في موقع “ذي انترتبرتر” الأسترالي. ويرى الباحث في مركز “لوي” الأسترالي، أن بن سلمان مثله في ذلك مثل الحرس القديم في السعودية، حين يتم تغيير القشور الظاهرة وترك الجوهر، وهو ما بدأت تتضح ملامحه في الأسابيع الأخيرة من خلال العديد من الإشارات.

اعتقالات تعسفية وتلميع لإسرائيل

إحدى هذه العلامات، بحسب الكاتب، هي الاعتقالات التعسفية على مدى الشهرين الماضيين للعديد من الناشطات الرائدات في مجال الإصلاح الاجتماعي وحقوق المرأة، فقد كانت لهن مطالبات ولمسات عديدة من خلال نضال استمر لسنوات طويلة وأفضى بالنهاية الى رفع الحظر على قيادة النساء للمركبات ، وهي خطوة كبيرة تحسب لهن في طريق طويل مليء بعثرات الحقوق المسلوبة لنصف المجتمع.

هذا وقد كان هناك الكثير من التكهنات بين مراقبي خطوات بن سلمان حول سبب اعتقالهن كونهن ينتمين الى ذات التيار الذي ينتمي إليه بن سلمان وهو التيار الليبرالي والنشط بشدة على الساحة الداخلية بالسعودية من خلال تفكيك نهج الحرس القديم بالداخل او على الصعيد الإقليمي والدولي من خلال تلميع صورة إسرائيل وتوجيه الشعب ليتقبل التوجهات الجديدة للنظام الذي يقوده بن سلمان بتفرد مطلق هذه الأيام.

المجد للفرد الأوحد!

وقد جادل البعض بأنه قد تمت (هندسة) هذه الاعتقالات لاسترضاء التيار المقابل (التيار المحافظ) في المجتمع السعودي الذي يعيش صدمات متسارعة لن تتوقف عند رؤية المرأة خلف المقود في المدن والطرق السريعة. وقد عزاها آخرون إلى رغبة بن سلمان في أن يفهم الجميع وبمن فيهم تياره هو، بأنه هو فقط من سيحدد نطاق وعمق الإصلاح السعودي. ويتابع الكاتب: “شخصياً أميل إلى وجهة النظر الأخيرة، وأضيف حتى عندما ينال المجد والاستحسان على الطريقة الشرق أوسطية التقليدية من خلال الأذرع الإعلامية للنظام كونه اتخذ هذه الخطوات، فإنه يخشى من عواقبها، فقد تتدحرج ككرة الثلج وبالتالي سيشجع النشطاء على المطالبة بأمور يراها بعيدة كل البعد عن قدرته في الاتجاه لأقصى اليسار. فقيادة المرأة هو مجرد مرحلة من الإصلاح وليست النهاية، وبالتالي يجب ان تتبعها إصلاحات أهم تتعلق بالحقوق، إن كانت حقوق المرأة كنصف للمجتمع او حقوق سياسية إصلاحية تشمل المجتمع كله، وهو أمر أراه غير راغب وغير مستعد لقيادته ناهيك عن تحمل مسؤوليته عنه”.

أخبار جيدة .. ولكن!

وبحسب الكاتب هنالك مؤشر آخر يتعلق بحالة الاقتصاد السعودي، في الظاهر هو مؤشر جيد وذلك وفقا للبيانات الأخيرة، فقد بدأ الاقتصاد السعودي في النمو مرة أخرى وذلك في الربع الأول من عام 2018 بنسبة 1.2 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ولكن ما هو مهم هنا هو المصدر الرئيسي لهذا النمو المتمثل حصراً بأسعار النفط.

لقد كانت الإصلاحات الاقتصادية المركزية لبن سلمان تستهدف كما يدعي هو الى زيادة أداء القطاعات غير النفطية وبما في ذلك القطاع الخاص ، وهو أمر لا يمكن ان يتم بدون إصلاحات حقيقية تتعلق بالحقوق والتعليم وإنهاء الاعتقالات التعسفية والابتزاز وهو ما جرى ومس بالعديد من رجال الأعمال وافقدهم الثقة بالسوق السعودي واستقراره من خلال علاقته المتذبذبة مع النظام ، ومن جانب آخر الاصلاح يجب ان يشمل البعد السياسي وتجنب القرارات النزقة وتجميد العلاقات التجارية فجاه من خلال سياسة دولة الرجل الواحد ومزاجه كما جرى مع ألمانيا مثلا!.

ومما يزيد الطين بلة أنه مع ارتفاع دخل النفط مرة أخرى، سيعود بن سلمان لنهج الحرس القديم في جوانب عديدة، لنأخذ “السعودة” على سبيل المثال، وهو أمر أساسي للإصلاحات الاقتصادية كما أعلن بن سلمان-على الرغم من أنها في الحقيقة كانت سياسة مطبقة بدرجات متفاوتة منذ أن عملت كدبلوماسي في المملكة العربية السعودية في منتصف التسعينيات من القرن المنصرم. أتذكر صديقًا كان وكيلاً محليا لإحدى السيارات الغربية العريقة. فقد دفعته سياسة السعودة لتجربة تقديم عرض عمل لأربعة مواطنين سعوديين، وأخبرني كيف أن ثلاثة من الأربعة فقط ظهروا في اليوم الأول، ليتبقى واحدا فقط كان آخر يوم حضور له هو نهاية الأسبوع الأول!.

لقد تغيرت الأمور كثيراً منذ التسعينيات، والسعوديون لديهم رغبة اكبر في العمل في وظائف كانوا يرفضونها في التسعينيات، ولكن سيظل الأمر صعبًا، حيث يترتب على الشركات والتي تعاني حالياً من ركود الأسواق والمشاريع، بذل المزيد من الجهود والأموال في التوظيف والتدريب للعمالة المحلية.

حرس قديم ..وجديد

ومن جانب آخر وبالرغم من نمو الاقتصاد ومغادرة كم هائل من المغتربين الآن، كان هناك تقرير حديث يشير الى أن السلطات السعودية تدرس تقليص نسبة إحلال العمالة الأجنبية بالسعودية وذلك من 100٪ قطاع التجزئة إلى (70٪). وهناك مؤشر آخر بأن خطة بن سلمان لبيع جزء من شركة النفط المملوكة للدولة “أرامكو” قد توقفت، وربما لن تمضي قدما نتيجة مخاوف تتعلق بالنتائج التي سيحققها هذا البيع وهو ما سينعكس حتما على النظام السعودي كمنظومة وليس فقط بن سلمان. ولهذا كان الاكتتاب العام الأولي محوريًا في خطط بن سلمان للإصلاح وتحسين أداء الاقتصاد غير النفطي، ولكن إذا كان الاقتصاد ينمو مرة أخرى، فإن التراجع عن هذه الخطوة هو نتيجة حتمية، كما هو ظاهر من مؤشرات الآن.

كافة هذه المؤشرات قد تساعد في فهم حقيقة ما يفعله بن سلمان وما قد يكون عليه مستقبل المملكة العربية السعودية المنظور. وهو يتأرجح بين الحرس القديم والحرس الجديد الذي يقوده هو، وبين الليبرالية والمحافظة وهو ما لم يحسم بعد، وما حدثنا التاريخ عنه في تلك البلاد يشي بتقليد سعودي قديم ..غالباً ما تكون الوعود والرؤى بعيدة عن التحقيق والتطبيق، ويتم نسيانها مع الوقت.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى