“طيبة قلب الشعب وسياسة الاحتيال والنصب” / منى الغبين

“طيبة قلب الشعب وسياسة الاحتيال والنصب”
النصب والاحتيال من الجرائم القائمة على ذكاء النصّاب وخبث نفسه من جهة وطيبة قلب المنصوب عليه وسذاجته من جهة أخرى , والأمر الطبيعي في عالم البشر أن يكون النصب والاحتيال حالات فردية يعالجها قانون العقوبات , ويضع لها العقوبات المناسبة .
ولكن أن يكون النصب والاحتيال والخداع سياسة عامّة تمارس مع شعب كلّ يوم طيلة عشرات السنين , والشعب لا يستيقظ ولا يفيق فإنّ هذا يشكّل ظاهرة في علم الاجتماع الإنساني وعلم النفس تستوجب الوقوف الإجباري , فالإنسان قد يخدع مرّة ومرتين وثلاث مرّات من قبل النصابين والمحتالين ولكنّه لا يخدع عشرات المرّات من قبل نفس المحتال إلاّ إذا كان هذا المخدوع يعاني من خلل نفسي ما .
المراقب لما يجري يشاهد حالا أشبه بحال التائهين في صحراء قاحلة يبيتون ليلهم في العراء وفي الصباح يقوم دليلهم بتوجيههم للسير شمالا فيسيرون سحابة يومهم وما أن يأتي المساء حتى يتساقطون من التعب ولإرهاق فيغطون في نوم عميق لا يفيقون معه إلاّ على حرارة الشمس فيستيقظون فيجدون الدليل يوجههم للسير غربا فيمضون يومهم كسابقه وفي الصباح يوجههم للسير جنوبا , وفي صبيحته يوجههم للسير شرقا فيمسون في النقطة التي انطلقوا منها قبل أيام ثم يتكرر هذا العبث كلّ يوم باتجاهات مختلفة , ولكنها تعوددائماً على نفس النقطة ولكن من اتجاهات مختلفة !!
وهكذا تلعب ألأهواء بوجدان الشعب الأردني تارة يكون التوجيه للقضية الفلسطينية, وتارة للأوضاع في الجوار العربي , وتارة لارتفاع الأسعار وتارة لجريمة تصبح ملهاة للرأي العامّ , وأحيانا ملفّ فساد , أو رحيل حكومة أو انتخابات وهكذا يستمر مسلسل الإلهاءات المتواصل والشعب يركض يمنة ويسرة ويتساقط من التعب والإرهاق على أمل أن يستيقظ على فجر جديد تتحقق فيه بعض الآمال أو تخفّ بعض الآلام ولكنّ هذا الفجر لا يأتي .
حادي الركب يستحثه لمواصلة السير الحثيث للحاق بقافلة بني الإنسان فيستمرّ مسلسل الجري خلف السراب وهو يتساقط ظمآنا غير مدرك أنّ الماء تحت أقدامه ولو وقف قليلا ونظر تحت قدميه , وحفر بأصابعه لتفجّرت ينابيع زمزم ولكنّه يجري ذات اليمين وذات الشمال خلف ذلك الدليل الذي لا يسمح له بالتوقف لالتقاط أنفاسه والنظر إلى ما حوله لإدراك الدليل بأنّه إن وقف سيكشف أنّه يدور في نفس المكان “ونفس الدائرة”,,منذ أجيال .
وإذا انتبه أحد الأفراد إلى هذه المهزلة وصاح بقومه بأنّ هذا هو مكاننا كلما خرجنا منه عدنا إليه ,,,صرخ به الجميع واتهموه بالجنون , وزعموا أن تلك الآثار هي من آثار القرون الأولى !! انظر إلى مطالب النواب والحراك الوطني والبيانات الوزارية منذ البدايات قبل عشرات السنين وحتى هذه اللحظة فإنّك ستجد أنّ المطالب هي المطالب , والوعود هي الوعود , والهموم هي الهموم ولا فارق بينها إلا بالتاريخ وربما قوّة اللغة وأسلوب الكتابة أمّا الجوهر فواحد .
صدقا نحن ظاهرة مسليّة لكنّها مؤلمة , ومؤلمة جدّا .
منى الغبين .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى