ذيب وغيره من الأعمال / أوس خليل الشطناوي

ذيب وغيره من الأعمال التي لا زالت تغرغر؛ فمها في الماء وأنفها في الهواء.
في العام الماضي وفي شهر مارس تحديدا إنطلق فيلم ذيب في السينمات العربية، الفيلم الذي عانيت الأمرين لأحضى بفرصة مشاهدته، حتى أنّي ضقت ذرعا بما قد يتكبده المرء من أجل حضور فيلم، مجرّد فيلم! ففي وقت صدوره لم يعرض بالأردن سوى في سنيما تاج فقط. حيث وحسب متابعتي لمسيرة الفيلم لم تقبل سينما برايم بعرضه لأسباب لم تتوقف عليها الجهة المسؤولة من قبل الفيلم حسب ما صرحوا به من خلال صفحتهم على الفيس بوك! والأشد مرارة من هذا أن الجهة المسؤولة في الفيلم –الذي ترشح لاحقا للأوسكار والبافتا- قد طلبت من الداعمين والراغبين بمشاهدة الفيلم بالتواصل مع الجهة المسؤولة في إدارة برايم سينما لأجل عرض فيلمهم المتواضع، وعندما أقول المتواضع فأنا أشير إلى صداه الذي لم يكد يسمع حينها في الداخل الأردني والخارج العربي إجمالا، فعلى صعيد الداخل الأردني وبحكم أني فيه ومعاين له عن كثب، يؤسفني القول أشد الأسف أن الوعي العام بضرورة دعم هكذا عمل كانت في الحضيض وأنا شخصيا لم أسلم من السخرية نتيجة حماسي الشديد للفيلم وقت صدوره، فعندما كنت أقول أن التريلر الخاص به يشير بلا شك إلى أن الفيلم على أعلى مستوى من الإخراج والتصوير، كانت تقابل ملاحظتي هذه بأنه -أي الفيلم- مجرد طفل يملؤه الغبار يركض في الصحراء – والفيلم حينها كان قد حصد 18 جائزة سينمائية منها جائزة أفضل فيلم في مهرجان أبو ظبي السينمائي وجائزة أفضل تصوير في مهرجان القاهرة السينمائي وجائزة أفضل مخرج ضمن تصنيف الآفاق الجديدة في مهرجان البندقية السينمائي الدولي- ! لن أقول يال السخف فكما قلت لكم أن الواقع في الداخل الأردني مرير ولا يتوقف على الجمهور وجهله وحسب، فالفيلم أيضا قد عانى الأمرين لأجل إنتاجه وإخراجه للنور، ولا أظن أنها مصادفة حينما تم رفض تمويله من جهتين -المفترض بهما ان يكونا الداعمين الرسمين- هما صندوق الملك عبدالله والهيئة الأردنية للأفلام! ولا عجب في ذلك! وسأبقي عدم خوضي في ذلك مفتوحا لمخيلتك.
.
ما أود قوله والتوقف عنده فيما أكتب الآن ليس فيلم ذيب بعينه، أو المجهود والموهبة التي جعلت مخرجه ناجي أبو نوّار يصل للأوسكار والبافتا بأول فيلم طويل له، أو أن أبطال الفيلم ليسوا حتى محترفين! ليست هذه الحيثيات التي أود التوقف عندها.. ما أريد التحدث عنه هو الدور الذي يلعبه الجمهور في الدعم والتشجيع والترويج للفن بشتى أشكاله والذي يجب أن ينطلق من الوعي الكامن بضرورة ذلك، وأن من يقول بأن بلادنا فقيرة بشتى المجالات عليه أن يدرك كم هو مخطيء في ذلك، لدينا الكثير لنقدمه لكنّ هذا الكثير لا يجد حاضنا له فعلى سبيل المثال كم منكم يعرف هاني دهشان ومكادي نحاس ومنعم العدوان ولارا عليان!؟ هذه الأصوات التي لا تكاد تباع جميع تذاكر حفلاتهم إلا في الأماكن الضيقة! وغيرهم من المواهب الحقيقة سواءا كانت فرقا غنائية أم موسيقية التي لا يسعني المجال لأذكر بعضها لكثرتها ولجزيل ما يقدمون مما قد يسهم بثورة فنية في جميع أنحاء الأردن والعالم العربي، ناهيك عن الرسامين والشعراء والممثلين المغمورين ممن يمتلكون الأصالة والتجديد والمعنى، هؤلاء الذين سيموتون دون ان تدرك انهم قد وجدوا!
.
كنت قد وضعت عنوانا لهذا المقال ” ذيب وغيره من الأعمال التي لا زالت تغرغر؛ فمها في الماء وأنفها في الهواء” لكنه ليس دقيقا بما يكفي فذيب الآن قد شق طريقه وحط على الشاطيء الذهبي، لكن هناك ألف ذيب غيره بوسعك أن تكون القشة التي تصنع له قاربا، وما اقترحه هنا ليس بالكثير، ما عليك فعله حين ترى أمسية موسيقية، غنائية، شعرية، او مسرحية أو أيّا يكن ان تتخلى عن ساعة من وقتك لأجلها وتدفع ثمن تذكرتها التي لن تتجاوز بأسوء الأحوال 10 دنانير كحد أقصى، ولا تبتئس إن كانت برأيك لا تستحق بعد حضورك اياها فلسا واحدا، فأنت على الأقل قد اعطيتها الفرصة التي تستحق.. البعض قد يقول ان هذه التقنية قد تساعد الهواة والحالمين وغير المؤهلين على جعل الفن مصدر دخل لهم وهم لا يستحقونه حقا، ما أقوله أن هذا وارد وانه سيحصل بالضرورة لكن هذه هي المرحلة الأولى لصناعة الفن، نعم أنا أتحدث عن الفن كصناعة كغيرها من الصناعات، فأنت حين تشجع أي صناعة ولنفرض مثلا انها صناعة القش فمن المتوقع ان تلاقي هذه الصناعة رواجا وقد يدخلها من لا علم له او قدرة عليها طلبا للرزق لكن سرعان ما يضمحل ويختفي نظرا للمنافسة التي ستحصل في السوق فيما بين الحرفيين ليبرز من هو الأفضل والأكفأ.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. يتدفق الكلام بواقعية ووطنية تملأ غرغرة أفواه الشاردين. وترجع الانصبة للموازين. فيال قلمك الذي أراه رسالة حقة. ويال لسانك الذي يملأ البلد نخوة. ويال ابداعك فيما اجد من حولك تصفق للباطل وقليل من حق حقه.

    شكراً لك وبارك الله فيك

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى