درس في احترام الذات

درس في احترام الذات

سناء جبر

تقدير الذّات واحترامها أحد مفاتيح العلاقات الصّحيّة مع الآخرين من وجهة نظري. من يقدّر ذاته لن يرتضي لها علاقات مسمومة ومستنزفة، لن يقبل على نفسه أن يكون مستغفلًا يتم استغلاله باسم الطيبة وحسن النيّة والقصد… وسيحرص بكلّ ما أوتي على تطوير علاقاته وبنائها بناء متينًا دعائمه ودّ واحترام وتقدير وشعور بالآخر وقوامها (أن ترضى لغيرك ما ترضاه لنفسك) ، فإن اتكأنا على هذه القاعدة الرّبّانية فإننا سنجني بكل تأكيد لا يشوبه أدنى شك إخوة متحابين كالبنيان المرصوص في زمن عزّ فيه الأخ وندر ما يسمونه الصديق الصدوق، وبات كل أمر مرهون بمصالح متبادلة والغلبة للقناص الذي ينتهز الفرص ويوقع بمن معه يسير في الدرب خطوة خطوة، حجته في ذلك المنافسة وظروف لحياة التي تفرض أسلوبها وسياستها في التعامل مع المحيطين.

اعلم أنك في بحثك اللامنتهي عن إخوة متحابين متكاتفين، تتوطد  بينكم العلاقات وتتوثق، فإنك  لا بد أن تقيس الأشياء عليك؛ فإن ارتضيتها لقلبك وعقلك ارتضيتها لمن تحبّهم وإن نفرت منها وأبغضتها فلا تقبل على أحبّتك شيئًا منها، هذا  في حال كونك صادقًا في محبتك لأخيك، وهذا هو المفترض والواجب. لكن، ما هو حاصل على أرض الواقع مخالف لذلك كل الاختلاف إلا من رحم ربي، فالفجوة عظيمة تتسع شيئا فشيئا بين ما هو كائن وما يفترض أن يكون.

وعليه، فلا بد لك أن تهعطي نفسك حقّها من التقدير أولا، ذلك أن من يستمدّ محبّته لذاته وتقديرها واحترامها من الآخرين سيتعب كثيرًا وهو يحاول مرة تلو أخرى أن يحصل على رضاهم ويعيش القلق ليلا ونهارًا في محاولته الدؤوب للاسمضيّ قدمًا في هذا الطريق الصعب الوعر المجهولة مسالكه، فهو رهن إشارة من سواه، يتلقى الأمر لينفذ ويرضي غيره لا نفسه ، سيكون القلق محور حياته يسيرها كيفما اتفق واعتمادا على مزاجية المحيطين به، من يعيشر على رضا الآخرين سيستمر في تغير محموم بقلق وارتياب وستجده في نهاية الطريق يلهث باحثا عن هويته التي فقدها في عوستجده في نهاية الطريق يلهث باحثا عن هويته التي فقدها في غفلة دون انتباه. نعم. صار غريبا عن ذاته وهويّته… لن يعرف أبدًا الاستقرار والطّمأنينة والسّكينة.

ويبقى السؤال اللاهث بحثًا عن الحقيقة الضائعة: كيف لنا أن نكون نحن؟  أنفسنا، ذواتنا، لا أن نكون نسخا متراصة مكررة من رغبات سوانا ورؤاهم، لا شيء مفروض علينا إلا أن نبقى متصالحين على الدّوام مع ضعفنا الإنسانيّ وعيوبنا ، فنؤمن بما نحنن عليه من حلو ومرّ… وعندئذٍ فقط نصبح أكثر قدرة وتوجها للتّصالح مع ما عند الآخرين على اختلافه عنّا. ماذا يحصل لو غفرنا لذواتنا أخطاءها، ماذا لو نعاتبها أحيانا، نقوّمها أحيانا أخرى، لو نرفق بها دائما؛ لنرفق بأحبابنا فنعاتب ونقوّم ونغفر.

أن تقدر ذاتك وتحبّها، أمر عظيم لا يستطيعه الجميع ولا يتقنه الأكثرية ولا يقبل عليه البعض… لماذا؟ إما لأنهم لا يمتلكون القدرة الكافية التي تؤهلهم لخوض غمار تلك الحرب الدائرة في صدورهم بين مفهوم القوة والغلبة من جهة والكرامة من جهة ثانية وتكمل الدائرة ضعفًا كامنًا في النفس لا يؤهله لمجرد التفكير في المحاولة، فقد ربى نفسه واعتاد الانصياع للغير والانقياد للأمر سمعًا وطاعة، ولم يعتد أن يكون صاحب إرادة وقرار ، فكيف ستجده مقبلًا على التصالح مع نفسه وهو لا يعرفها أصلا فقد ألغى هويته وأبطلها منذ زمن حتى صار تابعًا ملبيا للنداءات لا غير سواها.

أن تحترم ذاتك ، وتقدّرها وتعطيها حقها من الكينونة والوجود والحضور، خطوة تورث الواحد منّا صرامة في تعامله مع الأخطاء المتكرّرة، فتعليها في مكانها المستحقّ ولاترتضي على ذاتك قولا أو فعلا بذيئا؛ لكنّك أبدًا لا تطيق صبرًا مع الاستهتار والتهميش مرّات عدّة، فتهجر هجر الكرام، حافظًا الودّ قبل انطفائه، مُبتعدًا ابتعادًا يليق بك، وترحل إلى حيث اللاعودة ولا النظر إلى الخلف. بل تتطلع بعيون لامعة إلى مستقبل وضّاء تصنعه بيديك وقلبك وعقلك، وكلهم حضور فلا غياب لأحد ، ولا تسلّط لرأيٍ  كان، ولا هزيمة لشخصك الذي جبلته على العزة والأنفة.

إن ذاتك  هي استثمارك الأعظم، وهو نوع من الاستثمار لا يعرف الخسارة أبدًا، ولا الخذلان؛ كما لا يعرف للهزيمة مكانًا. لذلك، علينا دومًا أن نكون أولويّة قلوبنا وعقولنا من غير أن نصير أنانيّين وبشعين.

وحسبنا من هذه الدّنيا بضعة قلوب تصدقنا المحبّة والرّحمة والتّقدير والاحترام، نرتضي لها ما نرتضي لأنفسنا، نكرمها وتكرمنا، مطمئنّين آمنين، نأخذ بقدر عطائنا بل يزيد، نتّكئ كلّ يوم على أكتافهم واثقين وفخورين أنّنا حتّى آخر العمر معًا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى