تأباه النفس السوية / عبير الحسن

تأباه النفس السوية

من منا لم يجربه أو نزل بهِ وكان هو الضحية أو رآه بحق أفراد وشعوب ،فيه يتجاوز صاحبه الحد وفيه يتعدى الحق الى الباطل ،هو الظلم وما لهذه الخصلة الدنيئة بالنفس من أثر غير محمود وحين يتمادى صاحبها ويستبد هذا الجور بعينه .

وكلمة الجور بحد ذاتها تحوي كثير من المعاني التي تأباها النفس السوية فما من ظالم إلا وكان داخله مليئا بالسواد والقسوة وحب للنفس وكره للآخر.
الطغاة ليس فقط من سمعنا عنهم عبر التاريخ أو من عدنا نرى جبروتهم وطغيانهم عبر الشاشات ،هناك من بداخله طاغية لو سنحت الفرصة له لكان صورةً مماثلةً لهم .

والأدهى أن من يمارس الظلم ولا يدري انه يظلم يمضي بحياته وكأنّ لم يصدر منه قولاً أو فعلاً تجاوز به على قريب أو صديق أو من هو تحت رعايته ،أو حتى غريب يلقاه ويذهب.

مقالات ذات صلة

هذا النوع من الناس يغيب عنده الضمير الحي ،الأهم مصلحته وما يحقق له المنفعة بغض النظر إن كان سببا في جرح الآخر أو أخذ حقه أو حرمانه من أخذ فرصته .

وللظلم والقائمين عليه صور متعددة ،قد يكون أسوأها وأصعب صورها الظلم السياسي الذي يمارسه الطغاة من القادة ولن أتناول هنا هذا الأمر و سأتطرق الى الظلم الاجتماعي الذي أوصل عدم معالجته الى أمثال هؤلاء من الطغاة ، وفي حياتنا لا نحتاج الى مستبد آخر فالشعوب قد ملت وطفح الكيل وخرجت عن صبرها .

الظالم لا يتمتع أبدا بنفسية سوية ، والمرجح أن عنده مشكلة أو عقدة نفسية من كبر أو حب للأنا و للتسلط ، و فوق كل هذا وهو الأهم فإنه يقع خارج دائرة محبة الله ومحبة من حوله هو من يقتطع المظلوم جزاءاً ليس باليسير من وقته بالدعاء عليه ، وهي دعوة لا ترد ومجابةٌ في الدنيا قبل الآخرة .

السؤال الذي يطرح نفسه؟ كيف لهذا الظالم أن يهنأ بنومٍ أو ممارسة حياته الطبيعة وفي رقبته حقوق سلبت ونفوس تألمت وعانت كيف لا يخاف على ذريته بأن تلقى مصير من أساء اليه .

أما عن الحالة الشعورية التي يمضي بها المظلوم فهو قد يصل الى مرحلة من الشعور بالقهر أو العجز والضعف وهو ما أن يسرد قصته تتساقط دموعه بكل حرقة وحرارة تتلمس بكلماته ألما وجرحا غائرا ، وقد يدخل في حالة من الاكتئاب وعدم الرغبة بالعيش أو ممارسة حياته الطبيعية ، وفي بعض الحالات يتسلل شعورٌ برغبة بالانتقام .

غير أن من يملأ قلبه الايمان بالله يدرك حتما أن الله معه ولن يخذله ولو بعد حين،والمؤمن حقيقة قد لا ينصرف بالدعاء على الظالم بما أنّ الله وفقه للدعاء وهذا أمرٌ لن يوفق إليه كثير، فإنه يستثمر دعاءه بأن يوفقه الله وينصره ويعوضه بخير مما فقده أو حُرم منه ، وهو أبدا لن يكون ضعفا يتصوره الطرف المقابل بل هو القوة بعينها .

والسعي وعدم الاستسلام مطلوب ،وتعويد النفس على المطالبة بحقها والدفاع عنها ، علينا الأخذ بالأسباب،أما التنازل فليس من الإيمان ،وهو من يتيح للظالم بأن يستمر ويستبد في ظلمه مادام لا يوجد مقاومة أو دفاع .

يا ترى لو قدر للظالم أن يرى أو يطلّع على قلب وفكر ما يعانيه من وقع عليه الظلم هل سيصدم، وهل يستفيق ضميره ويعيد الحقوق لأصحابها أو يكف شره وأذاه؟

والظالم عادة لا يكون وحده ، فهناك أتباع ٌومحرضين هؤلاء أكثر شراً من الظالم نفسه ، هم يعلمون أنه على ضلال وأن ظلما قد وقع لكنهم يمضون بدعمه وتبيان صورة مخالفة للحقيقة طمعا في مكسب أو حصول على منفعة أو حتى مجرد إطراء أو تمييز لا يستحقه.

فيما يلعب الساكت عن الحق وهو لا يقل شأنًا عمن يدعم الظالم علانية، والذي صور بأنه شيطان أخرس وما أكثر ما رأينا على شاكلتهم دورا ًليس بالهين في دعم الظلم ومضيه.

والظلم قد يكون ماديا بأكل أموال الناس إما عنوة أو حتى بسيف الحياء فهو يدخل في دائرة الحرام ومن الظلم أن تأخذ مكانا لا تستحقه هو حق لآخر، وتفرح بذلك وتعده انتصارا أو أن تلقي الكلام جزافا دون رقابة ،وأن تظن بالناس بما ليس بهم ،وحرمان رعيتك من حقوقهم ،كالحق المادي مثلا باعتبارك غير مسئول بل حتى التطاول عليهم اما بالضرب أو الشتم أو حتى الإهمال و التهميش، كله يعد ظلما ، والتقليل من شأن الآخر ومن قدراته ومكانته ،وإهانته والتحريض عليه ، وأيضا أن ينسب أحدهم لنفسه فضلا أو عملاً ليس له كان لآخر كل المجهود والسعي ، وما أصعبه من ظلم عندما يُميز الأسوأ على الأفضل، بل عندما يخطئ من مشهود له بالخير يكون الحساب والعقاب، في حين يفلت منه من يمثل الجانب الآخر ، بل قد يكافئ ويميز ، ونظلم غيرنا حين نحكم على الآخر ونبني موقفا منه دون أن نعاشره أو نتعامل معه ونضع حدا معه ونحن نجهله .

ونوع آخر من الظلم هو ظلم النفس وهو من يغفل عنه كثير وأكبر ظلم لها عندما نسلمها لأهوائها ورغباتها دونما رقابة ، تمضي على غير هدىً فهي لا تأخذ حقها من الرعاية والاهتمام، والأهم وضعها في غير موضعها الذي خلقت له ولا كما أراده الله ورسوله لها فتراها مظلمة دون روح فيها من الفتور والوحشة مهما بدى عليها ظاهريا من متعة وسعادة.
والقرآن الكريم والسنة تناولا صور الظلم وما للظالم من جزاء وعقوبة ذلك الشخص الملعون الذي لن يناله الفلاح مهما سيطر وتعدى وتجبر.
ففي قوله تعالى وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ سورة إبراهيم الآية 42
وفي الحديث الشريف يقول رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.
وقال عليٌّ بن أبي طالب رضي الله عنه: «إنما أهلك من كان قبلكم أنهم منعوا الحق حتى استشرى، وبسطوا الجور حتى افتدى.)

علاج هذا المرض الذي يعد من أمراض النفوس يبدأ من الأسرة ،ومن نعومة الأظافر بالتربية العادلة بين الأبناء وتعويدهم على نبذ الأنا، وحب الآخر وأن يأخذ كل شخص ما يستحقه ، حتى لا ينمو بداخله جبروت أو ظالم ،وكثيرة هي المؤسسات المعنية بمحاربة الظلم وعدم انتشاره والمطالبة بالحث على ارساء العدل ليكون شعارا بديلا عما عدنا نراه من حقوق تسلب هنا أو جبروت يقع هناك .

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى