الوزراء حين يفكرون.. وزير التربية في فلسطين نموذجا

#الوزراء حين يفكرون.. #وزير_التربية في #فلسطين نموذجا

د. ذوقان عبيدات

سلمني الأستاذ حسني عايش وثيقة بعنوان: #تطوير #منظومة #الثانوية_العامة. ورقة استشرافية، إعداد الأستاذ الدكتور مروان عورتاني وزير التربية في فلسطين مؤرخة بتاريخ تموز 2020.
ويهمني في هذه المقالة أمران:
الأول، إبراز الجهود التي تناولت امتحان الثانوية العامة عبر عشرات السنين بما يشير إلى عمق المشكلة.
الثانية، إبراز دور المسؤول المهتم الذي يتصدى بشجاعة لمشكلة تربوية معقدة.
بدأت ورقة الوزير بالمسوغات التي استند إليها في إعداد الورقة، وأثار اسئلة مثل:

  • كيف لراسب في امتحان أن يعدم جهود طالب تعلم في نظامنا التعليمي اثني عشر عاماً.
  • كيف نحدد مصير طالب من نقطة ضعف واحدة عنده، مهملين كل نقاط قوته الأخرى؟ فالراسب في مادة هو راسب في النهاية إذا فشل في اجتيازها، وتفوق في المواد الأخرى!
  • لماذا نطلب من متقدم لكلية الطب تفوقاً في مواد دراسية أخرى لا علاقة لها بالطب؟
  • لماذا نلتزم بتشعيب عفا عليه الزمن؟ لقد تغير سوق العمل وتغيرت متطلبات الحياة، ونحن نوزع طلبتنا الى علمي وأدبي ومهني؟
  • ماذا يعني أن تقيس قدرة الطالب على حفظ معلومات في لحظة معينة قد ينساها بعد أسبوع؟
  • كيف نفتخر برسوب 30-40 % سنوياً؟ وما الآفاق التي فتحناها أمام الراسبين؟
  • كيف نضع معدلاً بين أشياء غير متجانسة؟ وكأنه يقول: لدينا خمس سيارات وثلاثة أقلام وقطعتا أرض.
  • فما معدل ما نملكه؟
    هذه هي المبررات التي لم يجرؤ أحد على طرحها حتى الآن.
    مرتكزات التطوير
  1. إن المرتكز الأول هو إنهاء ازدواجية الامتحان. فالتوجيهي حالياً هو نهاية مرحلة دراسة ثانوية ومتطلب الالتحاق في الجامعات، وبنفس الوقت فإن وزارة التربية وحدها هي المسؤولة عنه.
    ولذلك تقترح الورقة أن نعلي قيمة لشهادة المدرسة الثانوية. وهذا لن يتم في ضوء تركيزنا الكلي على شهادة التوجيهي! وفي حال نجاحنا في إعطاء القيمة للشهادة المدرسية، نترك للطالب حرية تقديم امتحان التوجيهي إن أراد.
  2. إن الانتقال من الدراسة الثانوية الى الجامعية يجب أن تكون في يد الجامعات لتطوير أسس القبول. وليس انصافاً تكرار القول إن الجامعات عاجزة عن ذلك، وان وزارة التربية هي المؤهلة لذلك.
    إننا بحاجة إلى اعتبار شخصية الطالب ومهاراته الحياتية أكثر من علاماته في امتحان حفظ المعلومات.
  3. إن بقاء آليات عقد الامتحان عبر عشرات السنين كما هي يشير إلى عقم التفكير. فما زلنا في أي عمليات تطوير تأخذ نفس المتغيرات:
    عدد الجلسات، عدد الفصول، طريقة حساب بالعلامة المعدل العام، عدد الدورات، نوع الأسئلة،.. وهذا يشير بوضوح الى قناعة المسؤولية بالبحث عن نظام جديد لم يعثروا عليه!
  4. لماذا نحسب معدلاً عاماً ليس له معنى؟ ولماذا لا نسلم الجامعات نسخاً رسمية من نتائج الطلبة بدل الطلب من المتقدمين إبراز وثائق نجاحهم؟ ولماذا نعلن عن النتائج لإثارة المجتمع؟ ولماذا المؤتمر الصحفي؟ ولماذا نعلن عن الأوائل؟ ولماذا نزيد من الحمى الاجتماعية.
    أفكار جديدة بالتأمل
    طرحت الورقة عددا من الأفكار المهمة، مثل:
  5. إن تباين نسب النجاح والرسوب كل عام يعني عدم وجود أي ارتباط بين التعليم وبين الامتحان. فلو كان الامتحان قياساً للتعلم فكيف نفهم تغير نسب النجاح بالرغم من ثبات التعليم على حاله؟
  6. إن الحكم النهائي على طالب يجب أن يرتبط بالمواد التي نجح فيها وليس في ما لم ينجح فيها. وهذا يتفق مع رأيي المعلن وهو أن الامتحان يقيس ما لا يعرفه الطالب، لا ما يعرفه.
  7. إن عدم حصول الطالب على شهادة التوجيهي، مهما جملنا الموقف مثل عدم مستكمل، يعني أن الطالب دخل في دوامات الثقة بالذات، وتهميش المجتمع، وضياع المستقبل.
    ولذلك من حقه الحصول على شهادة محترمة تعكس أداءه ولا تحكم عليه.
  8. كيف نحمل طالباً فشل نظام تعليمي قدمناه له على مدى اثني عشر عاماً؟ الامتحان يعكس فشل المناهج وجهد المعلم وبنية المدرسة أكثر مما يعكس أداء الطالب وحتى أداء الطالب هو مسؤولية النظام التعليمي.
  9. إن امتحان الثانوية العامة، وهذه حقيقة يقيس جزءاً بسيطاً من أهداف التعليم، ولا يقيس معظم الأهداف العليا كما وردت في قانون التربية. وهذا يعني أنه ليس امتحاناً للثانوية العامة بل لقياس معلومات لا أهمية لها.
    فالانفصال بين الامتحان العام والتعليم هو انفصال شبه تام.
  10. لم يحسب أحد كلفة الرسوب الاجتماعية والنفسية والاقتصادية. فوزارة التربية تصرف ملايين الدولارات على الامتحان لتقول لنا نجح 70 % من الطلبة.
    إن كلفة الطلبة الراسبين في امتحان التوجيهي في فلسطين في السنوات الثلاث الاخيرة وصلت الى 150 مليون دولار فإذا أضيفت الى كلفتهم في السنوات الدراسية الاثنتي عشرة فإننا نتحدث عن مليارات الدولارات.
  11. يجب فتح المجال أمام الراغبين من الراسبين باستكمال حياتهم التعليمية في معاهد أو حتى برامج جامعية خاصة للحصول على دبلومات تؤهلهم لمكانة مهنية واجتماعية وعلمية محترمة.
  12. لماذا لا نفتح المجال أمام جميع من لم يدخلوا الجامعات من الراسبين بأن يلتحقوا بالأعمال التي اعتدنا أن نطلب لها شهادة النجاح في التوجيهي؟
  13. وأي منطق في الاشتراط بحصول طالب طب على شهادة الثانوية الفرع العلمي؟ وأن لا نعترف بشهادة أطباء ومهندسين تعلموا في الخارج في جامعات محترمة ومعترف بها؟
  14. لماذا تجيش عشرات الآلاف كل عام لإدارة امتحان التوجيهي؟ ولماذا لا نعمل على ترسيخه وتسهيل إجراءاته وتقليل كلفته من خلال استخدام التكنولوجيا.
  15. لماذا لا نضع خططاً لتقليل حمى التوجيهي لدى المعلمين والأهالي والطلبة؟ ولماذا نضفي قدسية على التوجيهي أكثر من قدسية التعليم نفسه؟
    إن رهبة الامتحان وانشغال المجتمع فيه، وجعله مسألة مصير، حياة أو موت، هي من مخلفات الماضي.

هذا ما في ورقة الوزير المجتهد، وإن معظم أفكاره هي أفكار تطويرية. طالما كتبت عنها برفقة أستاذنا حسني عايش وألخصها بما يأتي:

مقالات ذات صلة
  1. الامتحان العام: امتحان عام أم استغفال للرأي العام؟
  2. إذا كانت أهداف التربية واسعة لتشمل أهدافاً شخصية ومهارات حياتية واتجاهات وقيماً، فكيف نجرؤ على تسمية التوجيهي بالامتحان العام الذي لا يقيس أي مهارة شخصية أو حياتية.
  3. مازال الامتحانيون يصرون على أن تصعد السمكة الى الشجرة في سباق مع العصفور والقرد. لنشعرها أنها فاشلة مع أنها سباحة من طراز متفوق، بينما العصفور لا يتقن السباحة.
    التوجيهي عندنا
    خضع التوجيهي في الأردن لكل ما سبق. بل إن التوجيهي في فلسطين هو نسخة عن توجيهي الأردن. لقد أجرينا وما زلنا نجري سنوياً تعديلات لوجستية وفنية على التوجيهي دون أن نحرز تقدماً.
  • فالتوجيهي في الأردن يقيس الحفظ.
  • التوجيهي الأردني مصدر قلق للأهل والمعلمين والطلبة وهذا القلق ليس إجابياً بالتأكيد.
  • التوجيهي الأردني يقيس ما يسهل قياسه، لا ما يجب قياسه. ولذلك لا قيمة حياتية مميزة لمن يحصل على معدلات عالية.
  • التوجيهي الأردني عقبة أمام تطوير التعليم. فالتعلم منذ الروضة موجه إلى نجاح في التوجيهي، وكل نشاط مدرسي لا يخدم التوجيهي هو نشاط مرفوض.
  • التوجيهي الأردني، يطلب من السمكة أن تصعد الى الشجرة.
    لقد بذل النظام التعليمي جهوداً متعددة لتطوير التوجيهي وتباينت الجهود بين إدخال الدبابات الى الامتحان وبين الانتقام من الذات لترسيب 50 % من المتقدمين. افتخرنا بترسيب 90 ألف طالب في التوجيهي. حرصاً على أن لا يحمل هذه الشهادة العظيمة إلا من يستحقها.
    وأخيراً، شكلنا لجنة لتطوير امتحان التوجيهي، سرعان ما وجدت نفسي غريباً بين كوم من مصطلحات مثل: الحوكمة، والعلامات المعيارية، وبنوك الأسئلة، والاختبار الثابت والصادق، واختبار ثبات الفقرة، والعلامات بالكسور المئوية، وهكذا…
    قدمت اللجنة تقريرها، ومن وجهة نظري مازلنا بحاجة إلى حل المشكلات الآتية:
  • قلق المجتمع
  • توظيف كل التعليم للنجاح في التوجيهي
  • أجبر السمكة للصعود إلى الشجرة
  • عدالة الامتحان بين طلبة مختلفين في كل شيء
  • الالتحاق بالجامعة
  • قياس أهداف التعليم الحقيقية
    وأخيراً، تحية الى وزير التربية في فلسطين، وشكراً للأستاذ حسني عايش الذي سلمني وثيقة الوزير. نحن معك د. عورتاني علنا نقنع الامتحانين القدماء والجدد بضرورة نقد أنشطة امتحان التوجيهي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى