المقبرة / علي الشريف

المقبرة

قبل مدة دار حوار بين افراد العائلة الكريمة حول عقد اجتماع موسع للجميع لمناقشة امور العائلة والتحديات التي تواجهها وسبل تنظيم امورها بما يتوافق مع المستقبل.
طبعا نحن كشباب تركنا الحديث لمن هم اكبر منا عمرا ليقاد من هناك ولنستمع الى خبرات الكبار فلعلنا نهتدي منهم بقبس ينير طريقنا الموحش بالظلمة وتركنا الكلام ليحدثونا عن طريقة وحدة العائلة ومستقبلها .
وقف المختار وهو كبيرنا وابتدا بالحديث الذي اشتمل على ذكر مناقب عائلتنا التي لم تتفق على راي يوما وربما لم يحب اي منهما الاخر يوما وطالب بان نكون متحدين في وجه التحديات وهذا الاتفاق لا يتم الا اذا واصلنا تقدمنا المستقبلي ووحدتنا ومحبتنا.
سالته سؤالا بريئا اشرح لنا الاسس التي يجب علينا ان نتفق عليها للنهوض بالعائلة الكريمة ونجعل منها انموذجا تتعلم منه الاجيال القادمه خصوصا ان الوضع الحالي لا يبشر بخير.
تنحنح وهز راسه قليلا ومن ثم صفن وبعد ان فرك فمه بيديه حك شعره و قال بصوت متقطع وينتع مثل اكزوزت السيارة المخزوق ” ان اول الامور التي يجب ان نعمل عليها هي انشاء مقبرة للعائلة وذهب بغفوة طويلة.
للامانة قلت له بدك تبحث مستقبل وتطالب بانشاء مقبرة وكان القبور تختلف من مكان الى اخر وكان مستقبلننا المزهر لا يمكن ان يكون الا بانشاء هذه المقبرة يا عم قل لنا خيرا وحدثنا عن اجيالنا لكنه لم يجب فالنوم سلطان.
تخيلوا معي اول ما طالب به كبيرنا هو المقبرة فمثلا لم يطالب بصندوق يدعم الطلاب خصوصا ان منا بعض المقتدرين ولم يطالب بتنظيم امور بيوت العزاء والحد من التكاليف ولم يطالب بتوحيد الصفوف والمشاركة العامة بالافراح ولم يطالب بمساعدة الفقراء والمرضى في عائلتنا بل طالب بمقبرة.
ربما يكون كبير عائلتنا استشرق اننا كعائلة لا يمكن الا ان يوحدنا الموت فقط فهو الشيء الوحيد الذي لن يهرب منه احدا ولن يغادره احدا وهو الشيء الوحيد الذي سينال الجميع ان كان كبيرا او صغيرا ولذا طالب عائلتنا بان تكون وحدتها اولا بانشاء مقبرة.
وربما يكون قد ادرك بحكم الخبرة والسنين ان النوم اخير من الكلام المجتر عند كل اجتماع فاخذ عفوته الطويلة فلم يسمع ما نريد هو فقط افتتح الاجتماع وادلى بدلوه وترك الحديث ونام.
خلاصة الامر ان الجميع بات يدلي بدلوه حول المستقبل المشرق وكل بات يطرح افكاره والجميع يهز الراس موافقا بينما كان البعض قد اخذ غفوة عميقة على اريكته ودار الهمس بانتقاد كل شيء بينما كانت هناك بصمات صفراء عند بعض اخر .
انتهى الاجتماع وتناولنا الكنافة وخرجنا دون اتفاق لا على مقبرة ولا على مستقبل بل اننا لم نبحث اي شيء غير استغابة بعضنا والناس،بانتظار اجتماع اخر وحين استيقظ كبيرنا سال ان كنا قد اتفقنا على انشاء مقبرة نحن لم نشا ان نجرح مشاعرة بان نقول له اتفقنا ولكننا اختلفنا من يدفع فكلنا لا نريد ان ندفع شيئا من الثمن.
جاري الشيخ محمود كان ضيفا بالاجتماع ومارس توزيع الابتسامات بكثافة وحين غادرنا اشاد بالكنافة وطعمها اللذيذ وبالعائلة الكريمة وبفكرة انشاء المقبرة الخاصة بنا وهمس في اذني يا ريت الاجتماع الجاي تطبخوا كرشات.
المهم بصفتي انا رجل مثقف وصاحب واجب وبشتغل بالصحافة طلب مني ان ادون في محضر اجتماعنا ما دار من كلام فدونت ما يلي
” امة وضعت مستقبلها تحت التراب وجعلت تفكيرها محصورا بحفرة عمقها متر وعرضها سبعون سنتمتر وبسقافيات وكم من التراب يهال عليها هذه امة لا يمكن ان تنهض ابدا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى