الذئب / د. هاشم غرايبه

الذئب

يروى أن رجلا وابنه كانا يقطنان بعض الأصقاع منعزلين عن الناس ، يعتاشان من بضعة أغنام يقتنيانها ، فمما تنتج يحصلان على الطعام والكساء ، وما كان يفيض عن الحاجة يشتري به الوالد خمرا يعاقرها في وحدته ، دأب الرجل على رعي غنمه والاهتمام بها ، إذ هي المصدر الوحيد لرزقه ، فكان يرسلها مع ابنه كل يوم بحثا عن الكلأ وعند عودتها يحلبها ويصنع منه ما يفيده .
مكثا على هذه الحال دهرا شاخ فيه الرجل ومات فورث الولد القطيع ومعه عادة السُّكر ، شيئا فشيئا انتابه الكسل وتقاعس عن الرعي تاركا أغنامه تقتات من خشاش الأرض ، فدب فيها الهزال وبدأت تنفق الواحدة تلو الأخرى ، نقصت كمية الحليب فلم تعد تكفي لحاجاته ناهيك عن توفير ثمن الخمر ، فاستشاط غضبا معتقدا أن الأغنام متآمرة عليه وأنها تتقصد قلة انتاج الحليب مناكفة به ، فأخذ يضربها ويحبسها عقابا لها على ذلك ولم يمض وقت طويل حتى نفقت جميعا ولم يبق إلا خروف نجا من الموت جوعا بفضل شبابه .
عندما دخل الولد الحظيرة حاملا دلوه ليملأه حليبا ، صعق عندما رأى الخروف وحيدا ، لكنه صرخ به : لا آبه لتلك الشياه التي ماتت نكاية بي لكي تتهرب من انتاج الحليب ، وعليه فإنني آمرك بأن تملأ لي الدلو بدلا منهن .
ذعر الخروف المسكين وقال متوسلا : إنني لا أستطيع انتاج الحليب يا سيدي فأنا خروف ولست شاة .
لم يستمع له سيده فقد كان السُّكر قد تهتهه بل بادره : ماذا ؟ هل تظن أنك تنجو بهذه الحجة السخيفة ، من قال لك أنني سأطعمك إن لم تحلب ؟؟ هيا هات حليبك وإلا أوسعتك ضربا ، وأمسك بعصا يضربه بها والخروف الباكي يتقافز هنا وهناك تفاديا للضربات الموجعة ، حتى تمكن من القفز خارجا يعدو هربا فيما يلاحقه سيده ضربا ، ركض الخروف باتجاه الجبل صاعدا وهو يتلقى الضربات المتلاحقة .
لم يتوقف الخروف فسيده يعدو خلفه ، لكن ثمة تغيرات بدأت تظهر على هيئته فقد بدأ شعر رمادي ينبت بدل الصوف الذي تساقط بفعل الضرب ، وبدأت أضلافه تتحور شيئا فشيئا الى مخالب تتشبث بصخور الجبل ، كما أن الولد لم يلاحظ أن إلية الخروف اضمحلت وظهر مكانها ذيل مشعر ..
عند أعلى الجبل توقف الخروف المطارد ، ونظر اليه الولد ليرى أمامه ذئبا بكامل هيئته ينظر اليه بعيون يتطاير منها الشرر .
عندها طارت السكرة ، وقال كلماته الأخيرة : الآن فهمت كيف يتحول الخروف ذئبا .
لكن الأوان كان قد فات !!
ملاحظة : عن قصة للكاتب التركي ” عزيز نيسين ” بتصرف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى