الأردنيون ..رهاب الابيض يُربكنا..الثلج انموذجا .

الأردنيون ..رهاب الابيض يُربكنا..الثلج انموذجا .
ا.د حسين محادين
(1)
نفسيا واجتماعيا ؛ تُشكل خبرات الطفولة لدى الافراد والمجاميع من حيث تمثلنا للسعادة او الخوف من الاشياء الغامضة التي تجتاحنا كعلاقتنا مع مواسم الشتاء،الثلوج، الدلف، المكوث في البيوت عنوة، وتقلبات الطقس القاسية كلها تمثل اضطرابا نفسيا وسلوكيا حادا في حياة الاردنيين حاليا، رغم تحسن ظروف ومعطيات الحياة، وتطور العلوم واساليب العيش والتدفئة، وضرورة التكيف الهادىء مع التقلبات المناخية/الثلوج تحديدا ليست حاضرة لدينا هذه الايام للاسف، مقارنة بما كانت علية استجابات اجدادنا لهذه التحديات في ستنيات القرن الماضي الذي لم تكن فيه النشرات الجوية فاعلة، او بمستوى الدقة الحالية في التنبوء ، وسرعة إبلاغنا عن القادم من احوال الطقس وتحدياته، واهمية الاستعداد القبلي والجمعي للتعامل من الثلوج مثلا عموما ومع هذا نجد ان الارتباك والتوتر هما السمتان الاميز اللتان تطغيان على فهمنا وسعينا للتكيف مع العواصف الثلجية كمثال.
(2 )
علميا؛ اقول ان تشكل هذه المفاهيم والسلوكيات الثقافية والبيئية غير المتوازنة لاستعدادنا وكيفية تعاملنا مع الثلج المتوقع قدومه في اليومين القادمين انما هي انعكاس ضمني لجذور ثقافتنا الانفعالية والمؤلمة في طفولتنا العقلية والحياتية كاردنيين وهي التي تساهم وما زالت في بناء تصوراتنا الذهنية والسلوكية وحتى الاضطرابية العامة عن العواصف الثلجية ومصاحباتها الى الحد الذي لانجد فيه فروقا في حجم الخوف والوعي والاستجابات بين ممارسات اجدادنا في تعاملهم مع تهديدات الثلوج لحياتهم، وبين ما نمارسه نحن مثل هذه الايام رغم تطور العلوم ،و تحسن مستويات الحياة عموما بين جيلنا واجيالهم منذ عقود انقضت، وهذه مفارقة علمية تستوجب الدراسة والتحليل .
(3 )
أن مبرر خشيتنا المربكة في حال سماعنا باحتمال قدوم الثلج عبر النشرات الجوية والاعلام الموتر بدوره لنا ايضا انما مرده باجتهادي الى نوعية خبرات الطفولة لدينا نحن واباؤنا واجدادنا، خصوصا ما سمعناه منهم من قصص دامية كانت تصاحب مجيء الثلوج لديهم من حيث، فقدانهم للعديد من الاشخاص الاعزاء عليهم،او حتى مواشيهم ،او الانجرافات المهولة التي تدمر مزروعاتهم كاسباب حياة وحيدة لديهم، او حتى طول مدد مكوث الثلوج في مناطقه سكناهم ،الى الحد الذي جعلوا فيه الثلجة احيانا يوما لتأريخ حياتهم كالقول”يوم الثلجة الكبيرة، سنة الثلجة”. اذن علاقة الاجداد في صراعهم مع تغيرات الطبيعة والمناخ في مجتمعنا الاردني الزراعي تاريخيا لم تكون مريحة، لا بل هي ذكريات مؤلمة وقاسية على حد سواء ، انتقلت الى انماط تنشئتنا النفسية والاجتماعية بصورة متواترة التذكير بها عبر الاجيال وان لم نعشها نحن، الا انها قد اثرت في تشكيل تصوراتنا السلبية عن خطورة الثلج ومصاحباته الانفعالية في اذهاننا وسلوكياتنا معا، بحجة الوقاية من خطورة هذا الابيض المفترضة.
(4)
ربما كان من الضروري ان اسعى في هذا التحليل المكثقف السعي لتفسير، لماذا يفزع الاردنيون وبحكم خبراتهم المؤلمة عندما يسمعون بدنو قدوم الثلج نفسيا واجتماعيا ؛ فاللون الابيض للملاءات المُلقاة على أسرة المستشفيات، وارواب الاطباء، وفساتين العرائيس، والشفافية في الاحاديث والناقدة البيضاء كذلك، وحتى الكذب لوّناه فأصبح ابيضا في يومياتنا. فكل ابيض اصبح يربك ذهنينا وسلوكياتنا في آن ، لذا كلما قُرب الثلج الابيض منا،أصبحنا نتزاحم على طلب جمعي بتعطيل الدوام في الدوائر والمدارس والجامعات، وان نبرر لماذا نتعارك على ابواب المخابز والمولات، ولماذا نُصاب بهستريا الشراء والتخزين ورفع الاسعار غير المبرر عمليا ، ولعنا لم نتعلم من تلك الدول التي تعيشون حياتهم تحت درجات كبيرة دون الصفر المئوي طوال الاعوام مع هذا فهم عاملون وينجزون..؟.
(5)
ترى متى سنقتنع وعيا وطوعا، بأن الثلج ليس طارئا بل هو والابيض كانا وسيبقيان جزءً من دورة حياتنا منذ القِدم، ولكن الذي لم يتغير رغم ارتفاع نسب التعليم ومنسوب العلم وغيرهما حاليا، الا ان تصرفاتنا افراد وجموع قبيل كل ثلجة بقيت كما هي وهنا يا للغموض لماذا، وهنا ايضا مكمن الوجع الدوري المتنام في الوجدان الجمعي لدى الاردنيين…ألم يحن الوقت لتصالحنا مع كل ما هو عفيف وابيض نتغنى به ولا نمارس وعينا المفترض نحوه للأسف..؟.
*عميد كلية العلوم الاجتماعية-جامعة مؤتة.

  • عضو مجلس محافظة الكرك”اللامركزية”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى