إيران (بين الانتخابات الرئاسية وأزمتي القيادة والمواجهة مع الغرب)

إيران (بين الانتخابات الرئاسية وأزمتي القيادة والمواجهة مع الغرب)

د. نبيل العتوم

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية

مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية

في ظروفٍ “داخلية وخارجية” بالغة الصعوبة والتعقيد سيتسلم الرئيس الإيراني القادم مهامه كرئيس للدولة .

ففي الخارج تبدو إيران مهددة بمزيد من العقوبات والعزلة الدولية نتيجة تكاتف مجموعة من المتغيرات بعد وصول إدارة (ترامب) التي تعهدت أولاً : بمراجعة الاتفاق النووي جملة وتفصيلاً ، فهل هذا معناه أن الرئيس الجديد سيكون عليه خوض معركة خطيرة وصعبة مع “ترامب وجنرالاته الجدد “؟ .

سؤال مهم ومحوري سوف تحسم الإجابة عليه الكثير من الاستفسارات حول مستقبل الدور الوظيفي لإيران الذي تمدّد، وتعاظم بعد سقوط العراق، وتوقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة خمسة زائد واحد، وهل ستؤثر نتائج الانتخابات الرئاسية على اختيار المرشد القادم مع تزايد المؤشرات على قرب رحيل خامنئي الذي يعاني بشكل مزمن من سرطان البروستات الذي وصل الى مرحلته الرابعة ؟ .

بموازاة ذلك هل ستؤثر عملية التصعيد الأمريكي، والإقليمي على نتائج الانتخابات الرئاسية ؟، وهل ستفرز وصول المرشح (إبراهيم رئيسي) المحسوب على التيار المحافظ، وهل سيُحدث ذلك تغيير إستراتيجية تعامل طهران مع الغرب فيما يتعلق بعدد من الملفات الصراعية في ظل وجود مجموعة من الحقائق التي لا يمكن لرئيس إيران القادم تجاوزها ؟.

التحديات التي تواجه إيران :

مع تولي الرئيس القادم في إيران، ستبدو الأزمات الصراعية بين إيران والغرب ومحيطها على أعتاب مرحلة جديدة من التصعيد، ولكن هذا الأمر ربما يكون مختلفاً كثيراً عن جولات التصعيد السابقة، إذ لم يتبق أمام صانع القرار السياسي والعسكري الإيراني مساحة كبيرة للحركة والمناورة السياسية خاصة على الصعيد الإقليمي، وليس هناك أيضاً الكثير من الوقت الذي يمكن لإيران تُضيعه مجدداً في مفاوضات مع إدارة (ترامب) التي تكفلت بمواجهة إيران ونفوذها وبرنامجها النووي الذي قد تُفضي مجدداً إلى طريق مسدود، خصوصًا في ظل تصاعد احتمالية المواجهة الأميركية مع إيران، حيث بدت إيران استناداً إلى تجربتها السابقة، كما لو كانت تدير مجموعة من المشاكل مع المجتمع الدولي من خلال أدوارها المدمرة والسلبية من خلال مداخل الأزمات الإقليمية، ومحاولة توظيفها لتصفية الحسابات مع المنافسين والخصوم؛ لا مع ما يُمثله ذلك من تحدٍّ خطير أمام الرئيس القادم لإيران، إذا ما افترضنا استمرار طهران في تبني نفس السلوك السياسي القائم على نشر الفوضى، وإثارة النزاعات، ومحاولة استنزاف قدرات دول المنطقة في أتون الحروب الأهلية دون رادع .

الاقتراع على الرئيس والمرشد :

فالرئيس القادم لإيران سيتولى دفة الرئاسة في ظل أزمة قد تؤدي إلى شغور منصب القيادة في أية لحظة، وفي ظل تصاعد أزمات إيران الداخلية ” الاقتصادية والاجتماعية والسياسية “، إلى جانب تصاعد وتيرة استنزاف إيران في سوريا، إضافة إلى احتمالية عودة الملف النووي الإيراني إلى الواجهة، مجدداً أخذاً في الاعتبار أن الملف النووي الإيراني ينطوي في الأصل على أهمية خاصة من بين كل الملفات الداخلية والخارجية الشائكة للسياسة الإيرانية، ليس فقط بحكم أن هذه القضية التي تستحوذ على الأسبقية الرئيسية في الاهتمامات الدولية إزاء إيران، ولكن أيضاً لما يترتب على هذا الملف من احتمالية نشوب بؤرة جديدة للصراع في المنطقة، قد تؤدي إلى تقويض دعائم الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط برمته، ولكن الأكثر أهمية من ذلك يتمثل في إمكانية إقدام الولايات المتحدة، سواء بصورة منفردة أو في إطار ائتلاف دولي، بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران للقضاء على ما تمثله من تهديد نووي؛ خاصة بعد ورود معلومات تؤكد سعي طهران إلى عسكرة برنامجها النووي ، وتراكم الاتهامات لإيران .

من هنا ولاعتبارات عدة ربما لم تحظ أية قضية من قضايا السياسة الخارجية الإيرانية بنفس القدر من الاهتمام الداخلي مثلما حظي الملف النووي الإيراني سابقاً ومستقبلاً، وذلك نتيجة عدة اعتبارات؛ لأنه أولاً : لم يعد فقط يمس مصالح طبقة مهمة داخل المجتمع الإيراني، وهي طبقة البازار المتحالفة مع التيار المحافظ، والتي مارست خلال فترات متعددة من عمر إيران جهودًا حثيثة من أجل إضفاء نوع من المرونة على السياسة الخارجية، على اعتبار أن ذلك يمثل آلية مهمة للانفتاح على الخارج، وإقامة شبكة من العلاقات الاقتصادية الدولية، إلا أن السياسة المتشددة التي انتهجتها حكومة الرئيس (محمود أحمدي نجاد) سابقاً، ومن ثم مجيء (حسن روحاني) الذي تعهد بممارسة سياستين :

-الأولى : الاستمرار في تبني سياسة ” نرمش قهرمانه “ ” المرونة البطولية ” الذي أطلقه المرشد خامنئي ، إلى جانب سياسة ” تشنج زدايى ” إزالة التوتر مع العالم الخارجي، فيما يتعلق بملف الأزمات والعلاقات الإقليمية والدولية، وهو ما فشلت إيران بتحقيقه تماماً، إذ أسهم السلوك العدواني والصراعي الإيراني في زيادة وتيرة النزاعات مع الدول العربية على وجه التحديد، وزاد من وتيرة التشابك مع الغرب ومع الولايات المتحدة، مما أفرز تداعيات سلبية عرضت إيران لعقوبات اقتصادية، أثرت على جميع مكونات الشعب الإيراني، وكادت تعصف بأمن إيران واستقرارها الداخلي .

-ولأن ملف الأزمات الإقليمية ثانيًا، مثَّل أحد أهم محاور السجال والتطاحن بين إيران والعالم العربي على وجه التحديد ، لكنه شكل محل إجماع بين التيارات والأجنحة السياسية الإيرانية ، مما جعل الرهان على الرئيس روحاني وجناحه الإصلاحي من جانب العالم العربي والغرب مجرد كذبه كبرى عرت وجه إيران القبيح والدموي .

–ولأنه ثالثًا ارتبط بقضية أخرى تشغل الرأي العام الإيراني منذ نجاح الثورة الإسلامية ولغاية الآن، وهى قضية العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، التي أسهمت في إحداث تقارب غير مسبوق بين طهران وواشنطن في ظل إدارة أوباما التي تبادلت رسائل الود بين تلك الإدارة والمرشد خامنئي، ومنحت هامشاً متسعاً،

– وأعطت طهران مزيداً من الحركة والتدخل الإيراني غير المسبوق، وجعلت إيران بقدرة قادر شريكاً دولياً مهماً لمكافحة الإرهاب، مما شجع إيران إعلان مشروعها ” نحو دولة إقليمية عظمى بحلول 2025 م، هذا إلى جانب إطلاق يد إيران، معتبرين أن الدور الوظيفي لإيران قد تعاظم مستفيدين من إدارة أوباما ظهره لمشاكل الشرق الأوسط بشكل معيب .

ترامب وإيران : المواجهة والانتخابات الرئاسية :

التطور الذي حصل بعد ذلك هو الاستدارة الأميركية الكاملة من خلال عصا (ترامب) السحرية التي اعتبرت إيران أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم، وطالبت بانسحابها، ورفع يديها عن التدخل المباشر في الأزمات الإقليمية، ورفعت سقف المطالب إلى إعادة النظر في الاتفاق النووي الموقع مع طهران .

هذه الاعتبارات بمجملها ستكسب الانتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة أهمية كبرى على صعيد البيئة الداخلية والخارجية لإيران، لدرجة باتت معه هذه التحديات أحد أهم محاور السجال بين مؤسسات صنع القرار والأجنحة السياسية في طهران.

من خلال معايشتنا للواقع الإيراني، على الرئيس القادم لإيران التوفيق فيما بين هذه التحديات الكبيرة مجتمعة، والتي سيؤثر بعضها على بعض سلبًا، وعلى تحقيق حل سريع لأزمات إيران الداخلية الطاحنة والتحديات التي باتت تواجهها خارجياً؛ لأن شهر العسل مع البيت الأبيض يبدو جلياً أنه قد انتهى إلى غير رجعة، وبات هناك ترتيب أمريكي – إقليمي يسعى لجعل صيف طهران على صفيح ساخن هذه المرة .

حقائق أمام إيران :

الحقيقة الأولى، تتمثل في أن حالة الإجماع لمسألة عدم إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي، والتي تعتبر في الواقع مسألة إجماع وطني في إيران، بل بدأت بعض الأصوات المحافظة تطالب بالانسحاب من هذا الاتفاق، رغم أنها تمثل أصوات خجولة، ويندر أن نجد أية تباينات في المواقف بشأنها، سواء في مؤسسات صنع القرار، أو الأجنحة السياسية بمختلف أطيافها، واعتقاداتها، فهناك حالة إجماع في كافة هذه الأوساط على التشدد في التمسك بحق إيران الكامل في برنامجها النووي.

من هنا لا عجب أن نجد حالة من التطابق بين موقف الرئيس ( روحاني) “الإصلاحي” ومواقف الساسة “المحافظين” في مؤسسات صنع القرار الأخرى بشأن الاتفاق النووي، وتحريم إدخال أية تعديلات عليه؛ خاصة ما يتعلق منها بالبرنامج الصاروخي والفضائي الإيراني، الذي يُشكل أهم الضمانات للدفاع عن إيران وردع خصومها، في ظل تهالك قدراتها الجوية والتسليحية الأخرى، أما موضوع الرهان على تحديد المجال الحيوي لإيران، وانسحابها من الأزمات الإقليمية ولا سيّما الأزمة السورية، فسيكون محل اختبار، وتجاذب لمدى قبول إيران بتحجيم هذا الدور بمستوى معين، وليس إنهائه، وهذا الأمرُ بات يعتبر طرحه خيانة للثورة الإيرانية التي قدمت التضحيات الكبيرة في سبيل تحقيقه .

هذا الأمر يعطي بالمقابل ذريعة إضافية لإدارة (ترامب)، الذي يفضل تبني سلوك أكثر تصعيداً كردّ فعل طبيعي على التعنت الإيراني، ولا سيما أن إعادة التفاوض على البرنامج النووي، وأهمية إدراج نقاط جديدة، إلى جانب اتهام إيران بالإرهاب والتدخل المدمر في الأزمات الإقليمية تعتبر ذرائع مهمة ورئيسية ستوظفها الإدارة الأميركية الجديدة في الضغط على إيران، فعلى الرغم من أن إدارة (ترامب) تشعر بالفعل بقلق شديد من احتمال امتلاك إيران لسلاح نووي، فإن ما يزيد من حدة الأزمة النووية الإيرانية أنها تتداخل أيضاً مع رغبة أميركية جارفة في استغلال دعم إيران للإرهاب، ونشر الفوضى من أجل الضغط على نظام الحكم الإيراني سعياً إلى إحداث تحولات داخلية في إيران، بل يبدو أن هذه الرغبة الأميركية ازدادت مع احتمالية وصول الجناح المتشدد في إيران بقيادة (إبراهيم رئيسي) .

الحقيقة الثانية، أن على الرئيس الجديد في إيران في حال كان محافظاً أن يُدرك أن التغيير في شخص رئيس الجمهورية معناه بالضرورة مزيداً من التشدد في توجهات السياسة الخارجية الإيرانية تجاه إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي أولاً، والذي اعتبره المرشح (إبراهيم رئيسي) السبب في وصول إيران إلى هذا المرحلة الصعبة ؛ خاصة على الصعيد الاقتصادي، حيث اتهم (روحاني) بفشله الذريع في توظيف واستثمار الاتفاق النووي لتحقيق مكاسب أكبر، بل على العكس تمادى الغرب وبالذات واشنطن في فرض عقوبات جديدة على إيران .

كذلك فإن وصول ( إبراهيم رئيسي) إلى سدة الرئاسة معناه أيضاً مزيداً من التشدد في سياسة إيران الخارجية تجاه الأزمات الإقليمية؛ وذلك لاعتبارات عديدة، لعل أبرزها يتمثل في هدف أميركا دفع طهران لتقديم مزيد من التنازلات المتلاحقة، تبدأ من خلال الحدّ من طموحاتها النووية، مما يعني مزيداً من تقليص نفوذها الإقليمي، وهو ما سيعتبر السبب الرئيسي وراء احتمال اشتعال الأزمة بين إيران والولايات المتحدة، وعدم الرهان على دور روسي، وصيني، وغربي داعم لطهران؛ لأن هذه القوى لن تراهن بأي شكل على مصالحها مع الغرب لعيون طهران التي لا يمكن الوثوق بمواقفها استناداً إلى سجل تجربة العلاقات معها .

الحقيقة الثالثة، أن مرشحي الرئاسة قد اتخذوا قرارها مبكراً بعدم المساومة أو المهادنة على إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي، وهذا ما اتضح من كل مواقفهم .

الحقيقة الرابعة، لا بدّ من الإشارة كذلك إلى أهمية موقع الرئيس القادم لإيران التي ستتداخل فيها التحديات السياسية والعسكرية التي تواجه إيران مع التطورات المهمة على صعيد منصب القائد ” المرشد “، حيث أصبح يتم تداول هذا الموضوع علناً، ومحاولات المرشد تأهيل (إبراهيم رئيسي) لتولي هذا الموقع المهم في النظام السياسي الإيراني من خلال سلسلة من الإجراءات : منحه لقب أية الله، وإعطاءه فرصة تدريس مستوى الخارج لطلاب الحوزة أسوة بالمرشد (خامنئي)، إلى جانب تقديم قائد الحرس الثوري إيجازاً أمامه حول التحديات التي تواجه إيران، وعادة مثل هذا الإجراء البرتوكولي لا يتم إلا أمام المرشد الحالي، هذا بالإضافة إلى تسليمه مقاليد رئاسة ” أستان رضوي “ التي تشرف على أكثر من 53 شركة اقتصادية كبرى، والإشراف على وقف الإمام الرضا … كل هذه المناصب لا يمكن بأي حال أن تتم دون أن تعني أن (إبراهيم رئيسي) بات فعلياً هو نائب المرشد الحالي، والقائد القادم لإيران، بدعم من الحرس الثوري والقوى الصلبة، والتي لها علاقات تشابكية ومصلحية من خلال المناصب التي بات يتقلدها (إبراهيم رئيسي) الذي تعود أصوله إلى آل البيت مما يدعم حظوظه ليحل محل خامنئي بسهولة متناهية .

لا شك كذلك بأن رفض مجلس صيانة الدستور ترشيح الرئيس السابق (نجاد) الذي راهن على عبوره إلى مرحلة الانتخابات أو شريكه (بقائي)، والركون إلى تصاعد التطاحن بين الجناح المحافظ التقليدي، والإصلاحي المتماهي مع سياسات المرشد، لتحقيق مكاسب سياسية في الساحة السياسية الإيرانية، الذي يبدو أن مجلس صيانة الدستور بتوجيه من المرشد والحرس الثوري، قد استشعر الخطر الذي بات يداهم إيران داخلياً وخارجياً بفعل ما ستواجهه إيران من سياسات أميركية غير مسبوقة رداً على السلوك الإيراني، لهذا طرح على المشهد (روحاني) نفسه كمرشح “تهدئة” إصلاحي، منتقداً سياسات خصومه التي ستؤدي إلى زيادة وتيرة المواجهة مع أميركا، والتي ستفضي -حسب قوله- إلى إعادة فرض عقوبات دولية جديدة، وتنذر بمواجهة غير مسبوقة على إيران، مما يستدعي من الجميع الاصطفاف خلفه والتصويت له، وهذا الخطاب لم يرق لا للمرشد وللحرس الثوري، وهو ما ينذر بإقصائه عن منصب الرئاسة في الدور الثاني للانتخابات والذي من المحتمل أنه سيكون مع المرشح المحافظ (إبراهيم رئيسي)، ودعم حظوظه الانتخابية

الحقيقة الخامسة، التطورات التي ستجري في إيران سوف ترتبط مباشرة بمدى ثقة الغرب عموماً وواشنطن خصوصاً، بالتحول السياسي الذي سيجري في إيران، مما قد يؤدي إلى استمرار الأزمة وتعقيدها.

وهذا الأمر يطرح إشكالية حول إمكانية أو عدم إمكانية التعامل مع إيران تحت قيادتها الجديدة، والرهان على أن عملية التغيير لم تؤدِ إلى ردع السلوك الإيراني، خصوصًا أن هناك مؤشرات سياسية، جيو إستراتيجية اقتصادية، وعسكرية باتت تؤكد استمرار معركة مكاسرة الإرادات السياسية بين إيران وأمريكا، والتي ظهرت تجلياتها مؤخراً من خلال سلسلة التصريحات الإيرانية المتشددة، والتي عادة لا يمكن التعويل عليها، في ظل السياسات الإيرانية التي تعتمد علنًا على دبلوماسية حافة الهاوية من ناحية، وعلى دبلوماسية وراء الستار للتفاوض مع الفرقاء، لكن التغيير هذا المرة أننا سنكون مستقبلاً أمام اختيار مرشد ” إبراهيم رئيسي” ضعيف الخبرة السياسية، وسيخضع بالتأكيد لاملاءات الحرس الثوري الإيراني، الذي سيسعى لتوجيهه، وفرض الرؤية التي تتناسب مع مصالحه، مما سيؤدي إلى نصف مواجهة مع الغرب .

الحوار الأميركي – الإيراني المشروط :

الأميركيون – حسب الرؤية السابقة – سيحاولوا جعل خيارات توظيف ملفات إيران في أضيق الحدود تحسباً لاستغلال محاولة طهران تحويل الحوار حول مداخل الأزمات الإقليمية في المنطقة إلى مكاسب، ولذلك كان تأكيد إدارة (ترامب) على أن الحوار لن يتجاوز إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي، وبرنامج إيران الصاروخي، ودعم إيران للإرهاب، على عكس إيران التي كانت سابقاً تضع كل الملفات على الطاولة انسجاماً مع إستراتيجية تخادم الملفات التي كانت تعتمدها طهران لتحقيق أكبر عائد من المكاسب فيما يتعلق بمصالحها، والحفاظ على دورها .

أما ثاني هذه الأمور -التي تريد واشنطن عبر تقليص هامش الحوار مع طهران- سببه حرص الإدارة الأميركية التأكيد على جديتها من ناحية، وصدق اتخاذ إجراءاتها الفورية، وبالتالي هذا سيؤدي إلى عدم تمكين إيران من جني مكاسب إستراتيجية من خلال وضع جميع الملفات على الطاولة ؛ لأنها بالأساس تعتبر تدخلها إرهاباً، وبالتالي خسرت طهران فكرة تحقيق الصفقة الشاملة، والتي طالما سعت إيران لتحقيقها والترويج لها سابقاً .

الولايات المتحدة تحت إدارة (ترامب) باتت تُدرك تماماً أن إيران تسعى لعسكرة برنامجها النووي، وأنها تسعى لبناء قوة صاروخية رادعة تضمن لطهران أن تلعب دوراً إقليمياً قائداً في المنطقة، من خلال هيمنة مبنية على العنف والإرهاب، مستغلة توظيفها للأزمات الإقليمية؛ وإيران أعلنت صراحة أنها تسعى لتكون دولة إقليمية عظمى بحلول 2025 م، وعندها ستكون إيران قد تمكنت من تجيير الحوار والتفاوض مع أميركا لمصلحتها المباشرة، وفي غير مصالح الحلفاء الإقليمين في المنطقة سواء كانوا من العرب والإسرائيليين، أضف لهم الأتراك، كل هذه المتغيرات هي حتماً ضمن مدركات إدارة ترامب، والتي ستضع مصداقيتها أمام العالم على المحك في حال التراخي، والانصياع أمام المطالب والرغبات الإيرانية.

بالمقابل فإن الإيرانيين باتوا مضطرين ومجبرين إلى الانصياع للشروط الأميركية، الطامحة إلى حل سريع للمشاكل التي خلقتها إيران، مقرونة بالحسم العسكري السريع على غرار استخدام أم القنابل في أفغانستان في رسالة واضحة لداعش، وإيران، والنظام السوري على حد سواء، من هنا فإن قادة طهران حتماً سليهثون وراء التهدئة والحل مع إدارة (ترامب)، وإلا ستدفع الثمن باهظاً هذه المرة .

الإيرانيون يدركون أكثر من غيرهم أن حقيقة نفوذهم في أزمات المنطقة باتت إلى زوال، ويدركون أيضاً أن واشنطن والغرب، وحتى الدول العربية خصوصًا الخليجية باتوا لا يريدون الحوار مع إيران إلا ضمن الشروط التي تتوافق مع إرادة المجتمع الدولي، وخلاف ذلك معناه الاصطفاف في حلف مع الولايات المتحدة الأميركية ، وقلب الطاولة على رأس ( الولي الفقيه) الذي عاث خراباً ودماراً في المنطقة .

وهذا سيكون اضطراراً وليس اختياراً، وذلك لعدة أسباب على إيران أن تدركها :

– أولها: الإقرار الأميركي والعربي بحجم النفوذ السلبي لإيران في مداخل الأزمات الإقليمية في المنطقة وضرورة وقفها

– ثانيها: أن هذا الاعتراف بالنفوذ لم يعد يتضمن إقراراً بالمصالح الإيرانية في المنطقة، بل بأهمية مواجهتها بشكل حاسم مهما كلف الثمن .

-ثالثها: أن واشنطن وعواصم الدول العربية لم تعد تأتي مضطرة لعقد صفقة مع طهران، بل على إيران المبادرة بذلك، وإلا ستتحمل نتائج أفعالها غير المسئولة من خلال نشر الفوضى والإرهاب.

هذا المتغيرات بمجملها عليها تعزيز الفهم الإيراني للتعامل بواقعية مع المستجدات الإقليمية والدولية، وهذا يجب أن يدفع أغلب مؤسسات صنع القرار والأجنحة السياسية الإيرانية للتفكير بصورة جديدة تنسجم مع هذه التطورات، وأن اعتبار استمرار إيران في ممارسة العنف والإرهاب، وتفجير الأزمات الإقليمية بغرض تحويلها إلى أوراق مساومة ومقايضة حول مصالحها لم يعد يجدي نفعاً، وثانيها أن الرهان على عقد أي صفقة أميركية إيرانية على حساب دول المنطقة باتت من المستحيلات السبعة؛ وهذا سيكون اضطرارًا، وليس اختيارًا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى