أَفِيخَاي أذرَعي وتطبيعُ الاستِبدادْ

أَفِيخَاي أذرَعي وتطبيعُ الاستِبدادْ
د. جودت سرسك

مابَينَ ميكافيللي صاحبِ نظريةِ الغايةُ تبرّرُ الوسيلة،ومُتعةُ خداعِ المخادع ،وأنّ الدولة تَستخدم الدِّين ليس لخدمةِ الفضيلة بقدْرِ تطويعِه لمصالحِها وإخضاعِ الرعيّة لسلطتِها ،وما بينَ الكواكبي صاحبِ مَدرسةِ طبائعِ الاستبداد وأنّ الشرفَ لا يُصانُ إلّا بالدَمِ وأنّ الاستبداد يقلِبُ السَيْر مِنَ الترقّي إلى الانحطاط .
يَنبَري لنا أفيخاي أذرَعي ظاهرةً تُمثِل اندماجَ القاتلِ ببيتِ عزاءِ المقتول، وتَغنّيه بمآثره ،بَلْ وصَبّ القهوةِ للمُعزّين وتحريكُ مسبحتِه على صوتِ تراتيلِ القرآن.
يعُتبرُ أفيخاي ذراعاً للآلة الاستعمارية الصهيونية الناطقة بالعربية والذي يُمثّل كما دولتُه فِكرَ ميكافيللي الذي ماتَ جَسداً واستمرّ فِكراً وَكِيانات.
إذ لا ينبغي للدولةِ التردُّد في إظهار القسوة للإبقاءِ على وحدَةِ الرعايا،لأنّ القسوةَ التي تمنَع الفوضى خيرٌ مِن الرحمةِ والِّلين الذي تنبثِقُ عنه المعارضةُ وظهورُ النقابات ورجالاتٍ غير شخصِ الأميرِ، وظهور كبارِ بلدٍ غيرَ جنابه ونِيافَتِه.
يُدهِشُك حجمُ متابعي صفحةِ الناطق باسم الاحتلال بلسانٍ عربي سقيم، وجرأتُه في الخوض في قضايا الأمّةِ وإلقاؤه اللومَ على حزب الله في لبنان والوجود الإيراني في سوريا عبرَ شخصياتٍ فنيةٍ لها انتشارٌ، كراغب علامة في أغنيته طار البلد وعلي الديك في صباح الخير يا سوريا ،ولا يُضيرُه ردودُ الجهّال ووطنيّي الصُدفة بلُغتِهم الأسفَلِ جَسَدية ،التي تُسطِّر ثقافة انحطاطٍ جديدةٍ في سِجلِّ الشعوب العربية يرصُدُها أفيخاي وجنودُه ليزيدَ رصيدَهم مِن المُتابعين ومهووسي الإعلام الإلكتروني.
يسعى أفيخاي لتحسين صور الإسرائيلي الغاصبِ في الوعي الفلسطيني بعد أنْ كانَ الخطابُ الصهيوني مُوجهاً للغرب نُكرانا للشعب العربي والفلسطيني ،حيث لجأ الكيانُ الغاصبُ مضطرا لخطاب الأمّة العربية عقِبَ هزيمةِ حزيرانَ عبْرَ جريدةِ الأنباءِ الناطقة بالعربية والصادرة منَ القدس، وما لبثتْ أنْ اندحرتِ الجريدةُ المشؤومة ولَم تستطِعْ تغييرَ الوعيِ الجمعيِّ الثوريِ أو طمسَ معالم جرائم دير ياسين والدمِ المسفوك على عتباتِ الحاراتِ هُناك.
ويطالعُنا صاحبُ كتاب طبائع الاستبداد كيف يسعى الحاكمُ والدولةُ العرشيّة الظالمة لاستغلال كلِّ ما يُتاح لها لترويض المواطن. إلّا أنَّ الكواكبي بعد أنْ بيّن طبائعهم، دعا الإنسانَ إلى التحرّرِ وسبرأغوار الكرامة ونبذِ المَذلّةِ، واستشهد بعنترة حين دعاه أبوه أنْ يَكِرّ يوم اشتدّ الحصارُ على بني عبس،فأجاب العبدُ الأسود : إنّ العبد لا يُحسِن الكرّ والفرّ.
فأجابه الأبُ الذي كان يُنكِر نسَبَه: كِرَّ وأنتَ حُرّ.ولمّا تحرّر من العبودية ذاع صيته وصيتُ قومه وكانت الغلبةُ للأحرار.
إنّ أنكرَ المُنكرات يا أفيخاي بعد الاحتلالِ هو الاحتلالُ ،وإنّ أنكرَ الأصوات ِ صوتُ المحتلّ المتملّق ،ولن يُسعفك ميكافيلي ولا اتفاقاتُ أوسلو لِطمسِ هويّتِنا واوجاعِ الثكالى والمُهجّرين ،ولن يجديك تهاني العيد ولا تبريكات رمضان ولا تغنّيكَ بمواويل النَقشَبندي ،وإنْ كانت بشَرَتُك سمراء ،وإنْ شبّهوك بعائلة الشرقاوي المصرية .
ويتساءلُ صاحبُ الطبائع يا أفيخاي ،لِمَ يسْبِقُ الأرنبُ الضعيف الكلبَ القويّ؟ فيُجيبُ الأرنبُ قائلاً: أنّك تعملُ لِحِساب غيرِك حين تُطارِدني،أمّا أنا فأعمل لحِسابِ نَفْسي.
كَشَل يِكَشْلَك ،والبِينْ يُطُسّك،وكُلْعاطْ يِكَلْعِطَك ،وداهْية تسِمّكْ وشَحّار يِشَحْرَكْ،حينَ تفهم هذه الكلماتِ الكنعانية التي تسبق تاريخ دولتك وتتجاوزُ حدودَ لغتِك المصطنعة وإنْ وُلِدتَ بحيفا المغتصبة ،فاعلم أنكَ ستظلّ لقيطا وبيتُك تعودُ ملكيّتُه لإم العبد أو فتحية وأنها ما تزال تضع مفتاحه في عِبّها وصدرها الذي ينبع طُهرا لا تملِكُه نساؤكم ولا تُسعِفُك لهجَتُك على وصفِه وتوصيفِه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى