أشخاص يستهترون بأرواح الآخرين بأفعالهم!

سواليف – “خوف ورعب وتوتر”.. بهذه الكلمات لخصت الثلاثينية أم راشد رحلة الطريق التي رافقت بها زوجها وأبناءها لأحد الأماكن السياحية في مدينة عمان؛ حيث ضلّت العائلة الطريق أثناء سيرها للمكان المقصود، ولم يبالِ الزوج بالاستشكاف والمخاطرة وتعريض حياته وأسرته للخطر.
تقول الزوجة أم راشد “أي شخص يمكن أن يضيع بأحد الطرق، لكن يستطيع التراجع وسؤال الآخرين حول الطريق المقصود، لكن زوجي لم يرق له ذلك، بل نزل بطرق وعرة تجاورها الوديان من كل جانب.. لا يمكنني إعادة تصور ما حدث في ذلك اليوم”.
وتضيف الزوجة “لم نستمتع بهذه الرحلة.. فقد كانت محفوفة بالمخاطر، وشعرت بالغضب حينها، إلى جانب الرعب الذي أصاب أبنائي، مما جعلهم يتقيأون طوال الوقت”.
يمارس بعض الأشخاص سلوكيات تهدد أرواح الآخرين، وهؤلاء الأشخاص يوصفون بـ”المستهترين”، فهم لا يبالون عندما يقودون السيارة بسرعة هائلة جدا، عندما يغامرون باستكشاف الطرق وتعريض حياتهم وأسرهم للخطر، هناك من يطلق الأعيرة النارية غير مكترث إن إصابت شخصا آخر، رجل يدع أبناءه وأبناء أخيه أو جيرانه في صندوق المركبات الكبيرة المخصصة لنقل البضائع المختلفة، ومنهم من يجعل طفله يقود المركبة برفقته، بدون مراعاة أن تخسر العائلة أحد الصغار.. وغيرها العديد من الأمثلة التي تنجم عن أشخاص لا يقدرون أرواحهم وأرواح الآخرين.
ويشتكي الخمسيني أبو عزام من قيادة أحد أبنائه (بهاء) للمركبة، بقوله “عندما أضطر للركوب بجوار ولدي ومرافقته لأحد الأماكن أو الزيارات العائلية، أشعر بالاستياء الكبير من قيادته، يتسابق مع السيارات الأخرى، يتجاوز هذا وذاك، فهو متهور بشكل غير طبيعي يكاد يودي بحياته أو بحياة الآخرين”.
يذكر أبو عزام أنه رافق ولده بهاء لإحدى المناسبات التي تم دعوة العائلة لحضورها، ومنذ ركوبهما السيارة، قام ولده بتشغيل الأغاني الصاخبة، وإطلاق الزوامير طوال الوقت، مما أدى لتسببه بحادث لسيارتين في الطريق ذاته.
يضيف الأب “لم أحتمل سوء فعلة ولدي هذه، مما دفعني لطلب الوقوف حينها، والرجوع للاطمئنان على حالة الأشخاص الآخرين الصحية، وأضرارهم كانت مادية، وفي تلك اللحظة لم يتوقف صاحبا السيارتين اللتين تعرضتا للحادث عن الشتم والسب جراء ما قام به ولدي، وحقيقة الأمر لا ألقي اللوم عليهما أبدا”.
اختصاصي علم النفس التربوي د. موسى مطارنة، يقول “الاستهتار بأرواح الآخرين هو حالة سلوكية تسود المجتمع مع قلة وجود ضوابط اجتماعية وقانونية تمكن الإنسان من العيش بأمان مع وجود هؤلاء الناس ممن يمارسون هذه السلوكيات”.
ويضيف “للأسف هي شخصيات نرجسية أنانية لا ترى إلا نفسها ولا تشعر بالآخرين وتعطي نفسها الحق في امتلاك الأشياء وكأنه حق خاص فيها، وتنسى الآخرين في الحياة، هؤلاء نشأوا في بيئة غير منضبطة بعيدة عن تقدير حياة الإنسان وحقوقه وواجباته ومعاني الإنسانية”.
ويرجح أن هذه السلوكيات تأتي نتيجة لحالة من الحرمان أو الدلال الزائد، ودائما هؤلاء يجدون من يحميهم ويمنحهم الحق في ذلك إما من خلال التدخلات لحمايتهم أو من خلال الممارسات التي تقوم على العفو عنهم، لافتا الى أهمية مواجهتهم بضوابط اجتماعية وقانونية.
ويؤكد مطارنة أن هذه الممارسات تخلق حالة من عدم التوازن النفسي، هؤلاء الأشخاص يقومون بهذه الممارسات بدون أي إحساس بالمسؤولية الاجتماعية أو أي واعز من الضمير.
برأيه، يقول استشاري الاجتماع الأسري مفيد سرحان “الاستهتار بالنفس يعني قتلها، وللأسف فإن البعض لا يعطي أهمية للمحافظة على الأرواح، ويكون ذلك بأشكال متعددة منها السرعة الزائدة أثناء القيادة أكثر من المسموح به، والسواقة بطريقة طائشة أو تحت تأثير المسكرات أو عدم الحرص على جاهزية السيارة وصلاحيتها بالسير على الطرقات أو إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات وبين الحشود، مما قد يؤدي إلى قتل أنفس أو إيذاء أشخاص أو ممتلكاتهم وتعريضها للأذى والخطر والإتلاف”.
ويضيف أن الحمولة الزائدة في السيارة، وخصوصا في البيكبات والقلابات والجرافات والتراكتورات، وهي وسائل غير مخصصة لنقل الإنسان، وخصوصا للأطفال الصغار، قد تعرضهم للقتل أو الأذى، وكذلك إغلاق الشوارع بالسير بما يسمى بالمواكب في مناسبات الأفراح وإعلان النتائج وتخريج طلبة الجامعات، وكل هذه الأعمال مرفوضة شرعا وعقلا ومنطقا لأن فيها أذى للنفس وللآخرين.
ومن المظاهر الأخرى ترك الأطفال في السيارات المغلقة لفترة طويلة مما يعرضهم للاختناق والوفاة، وفق سرحان، وذلك استهتار كبير، وكذلك استعمال الألعاب النارية غير المرخصة بطريقة عشوائية، وخصوصا من قبل الأطفال، والتعبير عن الفرح يجب أن يكون منضبطا ولا يؤدي إلى الإيذاء أو الإزعاج أو إتلاف الممتلكات.
وإن كان البعض يعتقد أن إطلاق الأعيرة النارية في المناسبات أو إغلاق الشوارع على الآخرين يعد تعبيرا عن فرح كبير، فإن هذا الفهم خاطئ، فقد يؤدي إلى لا قدر الله إلى تحويل الفرح إلى مأتم أو حزن، والأمثلة كثيرة على ذلك حتى للمحتفلين أنفسهم أو ذويهم عدا عن الآخرين الذين ربما يكونون بعيدين عن مكان الاحتفال، وكم مرة قتل أو أصيب أشخاص أبرياء بأعيرة نارية أصابتهم بدون أن يعرف مصدرها.
ولا بد من توعية الشخص بذلك وقيام الأجهزة الرسمية بدورها بالتوعية وتطبيق القوانين على المتجاوزين والمخالفين، وفق سرحان.

الغد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى