أزمة المعلمين وتوقعات المشهد المستقبلي

أزمة المعلمين وتوقعات المشهد المستقبلي
د. علي المستريحي

من خلال قراءتي للمشهد الحالي والسلوك السابق لأطراف أزمة المعلمين، أقدم في هذا المقال بعض التصورات لكيفية تطور الأزمة خلال الأشهر القليلة القادمة:

1. سيصر الطرف الحكومي على موقفه وستزيد الحكومة من التعسف باستخدام السلطة ومزيد من العقوبات على المعلمين وشيطنتهم. بالنسبة للحكومة (ومن يحركها داخليا وخارجيا) هذه معركة جدية ومسألة حياة أو موت! ففشل الحكومة بالمرة الأولى السنة الماضية لن تدعه يتكرر ولن يكون ضمن حساباتها.

2. شكلت نقابة المعلمين ورطة كبيرة للحكومة وازعاجا متكررا وتحدٍّ غير مسبوق لها. النقابة بشكلها التنظيمي القانوني السابق (قبل الأزمة الأخيرة)، وما ترتب عنها لن تعود كما كانت، وستجد الحكومة شكلا تنظيميا وقانونيا جديدا أو (بديلا) لها على مقاسها، مستفيدة من تجربة مجلس النواب “المعين”. مشروع أكاديمية التدريب الذي أسسته النقابة سينتهي.

مقالات ذات صلة

3. ومع أن المعلمين يدركون أنه ليس من مصلحتهم تسييس قضيتهم، وسيستمرون بتأكيد ذلك، ولكن ذلك لن يصمد طويلا.

4. إلى الآن تستخدم الحكومة استراتيجية خنق الأزمة وكبتها وتعطيل أجهزة تنفسها وحرق مولّداتها. مع مرور الوقت، ستبدأ الحكومة باستخدام استراتيجية تغيير مسار الأزمة وتفريغها من مضمونها جنبا إلى جنب مع الاستراتيجيات الأخرى، وستستخدم كورونا بشكل أوسع كحصان طروادة لاقتحام قلعة المعلمين وتشتيتهم.

5. لن تنتهي الأزمة الحالية بين طرفي النزاع الرئيسيْيّن كما يتمنى المعلمون. على الأرجح أن تنتهي الأزمة إلى مقايضات وتسويات هشة سيحصل المعلمون فيها على أقل بكثير من الحد الأدنى الذي يطالبون بالحصول عليه. التنازلات المتواضعة جدا من طرف الحكومة ستكون من النوع الذي لا يتضمن عبئا ماليا ملموسا عليها. ‏

أما من المنظور الأوسع، فإنه:

1. ‏سيتطور الصراع لأن يكون أكثر مواجهة بين جميع الأطراف (المعلم، الحكومة والناس)، فالأزمة الحالية والسابقة أسقطت كثيرا من أوراق التوت وكشفت كثيرا من العورات، خاصة عورات الحكومة، ووفرت للناس دليلا أكثر وضوحا ويقينا بوجود أطراف داخلية وخارجية تلعب على الساحة ولا تظهر بالمعلب.

2. مخطئ من يظن أن الأزمة الحالية هي أزمة معلمين وأزمة مطالب مالية تخصهم فقط، وهذا ينطبق على أطراف النزاع كافة (المعلمين والحكومة والناس) مع اختلاف زاوية النظرة لكل طرف وبدرجات متفاوتة. بالنسبة للناس، سيبدأ يتعزز لديهم اعتقادٌ شبه مؤكد بأن للحكومة أجندتها الخاصة للعمل باتجاه احداث “تغيير ما” يلوح بالأفق (سياسيي وغير سياسي)، وما تقوم به من إجراءات على الأرض هو جهد احترازي مسبق وتمرين للقادم من الأيام. وحسب هذا الافتراض، ترى الحكومة أن المعلمين هنا هم حجر عثرة بالطريق، وأدركت أن لديهم من قوة التأثير ما لم تتوقعه، لذا، بالنسبة لها، يجب العمل على إماطة هذا الحجر عن طريقها ولو كان الثمن باهظا، والوقت يمثل تحديا لها. أما المعلمون، وبمرور الوقت، بدأوا يدركون أن قضيتهم هي قضية وطن، وأن حجم التعاطف الكبير مع قضيتهم ليس بالضرورة مرده إيمان الناس بمطالبهم بشكل مطلق، بل لأن الناس رأت فيهم مخلصا ممكنا للفاسدين بعد يأسهم من ضعف قدرة المعارضين وهشاشتهم وتلون مواقفهم وفشل المؤسسات الدستورية ومنظمات المجتمع كافة في احداث التغيير المنشود بما فيها البرلمان بشقيه والأحزاب والمؤسسات الرسمية والإعلامية وظهور مؤشرات بداية اهتراء المؤسسة القضائية.

3. سنشهد تحولا تدريجيا باتجاه بلورة “قوة” ضاغطة جديدة، شعبية الصبغة، كبديل للمعارضة الهشة ومؤسسات التغيير الفاشلة، بديل يمكن الوثوق فيه أكثر. المظلة الجديدة هنا قد تكون تحت مسمى “الرابع” أو “الشارع” أو شيئا يشبه ذلك، ومع هذا سيكتنف هذه المرحلة عشوائية الشارع وتخبطه وافتقاده للتنظيم والعمل الجمعي وافتقاده لوجود مرجعيات وقيادات ممثلة وستستغل الحكومة ذلك. سيشوب هذه المرحلة شيئا من الفوضى ستفضي لأشبه ما يكون بحالة ما بعد الربيع الأردني بأضعف تقدير وأقرب ما يكون للحالة اللبنانية الحالية بسناريوهات أكثر قتامة.

4. ستكون شعارات الشارع أكثر جرأة وستبدأ بتسمية الأشياء بمسمياتها مع التسديد المباشر أكثر من مجرد محاولة المناورة والالتفاف والتورية السائدة الآن، وستخرج كافة الأطراف من مجرد اللعب بمنطقة الدفاع الى الاتجاه نحو منطقة الهجوم. وستزداد فرص المواجهة والاحتكاك بين الأمن والناس في السيناريو الأسوأ الذي لا نتمناه.

نسأل الله السلامة وأن يحفظ الوطن ..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى