” متلازمة الموت ” / نورس عدنان قطيش

” متلازمة الموت ”

بتنا نفجع بين الفينة والأخرى بفقد لا يهدأ ووجع لن يهجع، في الأغوار تتآمر شياطين الموت على الصغير قبل الكبير ولا يفرّق في الوأد بين الإناث والذكور، من مقصلة شارع الموت وليس انتهاءً بدوّامة قناة الموت، أصبح الموت رفيق التسمية لتلك الشياطين، لا نعرف بهذا أهو استنكار أم استحضار الزؤام !
بنات الدهر في الأغوار لا تتعدى حدود الأخبار، ذكرها يقبع على الهوامش ولا نصيب لها في نشرة الثامنة لإنعاش ذاكرة من يتناسى الغور إلا في موسم الخضرة والبرتقال.
فُجع الغوريون في الأمس على حالتي وفاة في قناة الموت، تم العثور على أحدهما: الطفل علي بعد ساعات من جهود مضنية في البحث، هذا الطفل تهاوت الطريق المحاذية من تحت أقدامه تواطئاً مع القناة ليسقط فيها وتلتهمه ابتلاعاً كما ابتلعت عائلة مهدي قبل سنوات جمعاً.
بين القناة والشارع يسكن الموت، يخيّم فينا ليعتاش من فلذات أكبادنا ويكبر على آلامنا، حتى أصبح وحشاً كاسراً يجبرنا على دفع الفدية موتاً.
ما يزيد عن ألف ضحية منذ تأسيس القناة عام ١٩٦٤م؛ أي بمعدل ٢٠ ضحية كل سنة، وهذه المعلومات نستحضرها من الذاكرة الغوريّة الصلدة كقسوة الموت وتجدده فينا، نتوارث قصص الفجع بسردها جيلاً تلو جيل، لتبقى الذكريات حاضرة أنفاً عن جرعات الزهايمر المعطاة لنا من أهل الطبابة الفاسدة ذوي الكروش والكراسي الدوّارة؛ فهم كالصوّان قلوبهم أقسى لا تلين !
لا عجب إن خلت أجرار المكاتب البلوطيّة من تقارير الموت الغوريّة، فالمعلومات لديهم إن ابتُذلت لا تتعدى أطر الإستعراض، وليست سوى بيانات انتفاعية بغرض ريّ مزارع الإقطاعيين بنكهة أرواح غوريّة أنبتت في الوادي مصائد للموت تنشطر بين النوح والويح !
كلّما اقترب الموت منّا أكثر فرّ عنّا المسؤول بصدّ أكبر، تتعالى مع كل فقد صرخات الإستنجاد وصيحات الاستجداء، لعلّ وعسى تصل سكنى الجبال وعليّة عمّان، لكن لا حياة لمن تنادي؛ وكأنهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصرّوا واستكبروا استكبارا.
بين فجع الثكالى وغيض الحسارى تتضرع القلوب إلى الله بالرحمة والإبتهال لتلبية دعوات تدمي مآقي المسؤولين وتُلهب أفئدة حسناوات الفاسدين بسهم يُغرق أكبادهم على حين غفلة في ربيع غوريّ هم فيه يتنعّمون، ربما يتجرّعون المرارة كما يذوقها بين اللحظة والأخرى كلّ الغوريّون، وتحيا الضمائر بعد موت ويردّون البصر وإلينا يسمعون !

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى