صرخه من غرفة الانعاش / فؤاد البطاينة

صرخه من غرفة الانعاش

لم يعش الاردنيون على مدى تاريخ الدولة فترة كالتي يعيشونها اليوم ، قهرا وقلقا وحيرة وشعورا بالمذلة . هذا ليس بسبب الاصرار على استقرار الفساد وتفاقم البطالة والفقر والهجمة الضريبية والاختلالات على مساحة العمل العام ، ولا لمجرد تغييبهم عن مستقبلهم الذي يقودهم اليه حاضرهم المزري . فكل هذا يحدث في بعض الدول وتصبر معه شعوبها على بصيص من التفاؤل والأمل . بل بسب أن مثل هذا البصيص الذي حُرِم منه الاردنيون يترافق مع كبائر والكبائر تترافق مع عزلهم وانعزالهم تماما عن قيادتهم ، ومع تعمد وضعهم أمام مجالس حكومات ونواب لا تمتلك أدنى ارادة تبرر لعاقل مخاطبتها ، ولا أدنى علاقة لها بما يجري في الداخل والخارج بأشخاصها العاجزين عن قول كلمة لا أو لماذا . فهل هذا يُفَسَر بأنه من باب إفهام الأردنيين بأنهم فاقدون لأهليتهم الوطنية واعتباراتهم الأدبية والقانونية والسياسية .
نحن الاردنيين بحاجة ماسة لتفسير ما يجري في بلدنا من سياسات داخلية وخارجية ، فنحن محلها . لقد كَثُرت الرسائل التي تشعرنا بعدم أهليتنا لنكون شعبا لدوله ، وتعاظمت التي تُريد إشعارنا بأننا لسنا في دوله . نحن الأردنيين من أنقى الشعوب سريرة ، وقدرنا أن نكون أكثرها التصاقا بقيادتنا وتسامحا وإخلاصا ، لكن هذه تبقى مقدمة يُرتِبُ لها علم المنطق نتيجة من جنسها ، وإلا ستصبح معادلة فاسده ، فالجاهل والبسيط بدأ يكفر بواقعه
نحن الاردنيين أصحاب القضية التي جوهرها فلسطين وطعمها كياننا السياسي، محرومون بإصرار من اختيار نوابنا دون تفسير نتلمسه طالما ليس هناك من مرشح مناهض للنظام أو معارض لبقائه ، فتنخر هذه السياسة وحدتنا . ولدينا استفراد بتعيين الحكومات ونزع صلاحياتها وإشعارها بالدونية والاذلال ، وسلطات ثلاث ليس منها من تمتلك سلطه ، ودستور كالأسد يحمل أسفارا ، وجيش يراه البعض يتحول لحزب مسلح أو لمشروع استمار . دولة تُصْنع فيها النخب والمحاسيب والشيوخ وحتى الوُعَاظ صنعاً ، وفيها إصرار على أحزاب الوصولية ونبذ أصحاب الرأي الأخر . تحاصر فيها النخب الشعبية حتى تستسلم لليأس او تتحول لمرتزقه مأجورين تُنهى حياتهم السياسية لمجرد تعليق لا يخرج في واقعه عن سوء تقدير في كيفية التسلق،. ولدينا من يسأل ، هل استحواذ فرد على كل السلطة والسلطات والقرار في بلد يعاني ما نعانيه ، فيه حكمة أو احترام للشعب أو نجاة بالدولة ؟.
هذا السلوك لا يُفَسَر ولا يُعزى الى مجرد حبٍ لاحتكار سلطةٍ لا طالِب لها في الاردن ، ولا هو عمل عبثي أو غير واع . ولا بد من قراءة صحيحة له في ضوء التطور من سياسة انكار الهوية والحرب عليها الى سياسة إفهام الناس بأن عليهم أن يقتنعوا بأن لا حقوق شعب لهم ، ولا الدولة دولتهم ولا الوطن ، بل هم مجرد سكان في مشروع دولة ،
وقد قرأنا في الصفحة 12 من كتاب افي شلايم -أسد الأردن- المستند للأرشيف البريطاني والموزع في السوق الاردنية ما نصه ، وبئس النص ، \\ كان البريطانيون يبحثون عن عميل مطواع يكون موثوقا لأن يعهد اليه حكم أرض مهجورة او فارغة شرق النهر نيابة عنهم \\، ويضيف في الصفحة 13 ما نصه ،\\ تلك المنطقة (الاردن) مخصصة لاستخدامها كأرض احتياطية من اجل توطين العرب عندما تصبح الدولة اليهودية في فلسطين حقيقة ، ولم يكن القصد تحويلها لدولة مستقله \\ انتهى . فمشروعهم قام على عدم الاعتراف بشعب فلسطيني ولا أردني ،
تعلم قيادتنا أن خدعة حل الدولتين ماتت والتهمت الديدان أثرَها ، وما كان لها يوما دلالة مصداقية واحدة على الارض الفلسطينية أو الاردنية . ولا المنظور الاسرائيلي للتسوية حادَ يوما عن التصفية بالخيار الأردني ، ولا العالم بشرقه وغربه معنيا بمواجهة الارادة الصهيونيه ، بل معنيا بالتملق لها . والحسم في هذا نحن على ابوابه . فلماذا يكابر نظامنا بالملموس والمحسوس والمرئي والمسموع ، والدائرة علينا تدور وعندنا منتهاها . فقد سئمنا الكلام بلا سند ، سوى ضده . والتساؤل هو لماذا يُحَمِل النظام نفسه هذه المسئولية ، إنها مسئوليةُ شعب ووطن وكيانين وهويتين وطنتين ، فلا حكمة ولا نجاة من جعلها كلها بوزن الصفر . . فنحن اليوم جميعنا حاكمين ومحكومين في مرحلة إبراء الذمة .فالتاريخ لا يموت والعظماء صنيعة التقاط اللحظة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى