كشف تفاصيل الفيديوهات المسربة للمخرج السوري “محمد بايزيد” وسيناريو الاغتيال المفبرك

سواليف

بقلم: محمد الهندي _ هاف بوست عربي

عادت قضية المخرج محمد بايزيد ومحاولة اغتياله للواجهة من جديد على مدار اليومين الأخيرين، بعد نشر مقاطع فيديو تثبت فبركته تلك المحاولة، ولم أكن بعيداً عن الـbuzz الذي حدث، كون أني كنت أحد الأشخاص الذين فكر المخرج المعروف في الاستعانة بهم، وكذلك كنت من سجّل الفيديوهات التي عُرضت، وكذلك كنت من تواصل مع جهات الأمن والقانون والإعلام لنشر هذه الفيديوهات.

اسمي محمد الهندي، وأعمل مديراً للإنتاج في مدينة إسطنبول التركية، التقيت المخرج محمد بايزيد لأول مرة قبل أكثر من عشر سنوات في مدينتي دمشق، غير أننا لم نأتلف لنصبح أصدقاء، ولم تتعد العلاقة بيننا المساحة المهنية إلى المساحة الشخصية أبداً، لم يدخل بيتي ولم أدخل بيته إلا عندما كان مكتبه في بيته بالأردن، عملنا سوياً على بعض المشاريع البسيطة، وانتهى الأمر على ذلك.

في نهاية نيسان/أبريل الماضي، تواصل معي المخرج بايزيد لأول مرة منذ 2014، كانت رسالته على البريد الإلكتروني وسألني إذا كنت مقيماً في إسطنبول (لم يكن محمد بايزيد يعلم أين أُقيم في هذه المرحلة)، وتواصلنا سريعاً ليخبرني أنه قد يحتاجني في عمل، بعد ذلك بأقل من شهر تواصل معي مرة أخرى وأخبرني عن عمله على دورة تدريبية لتعليم الإخراج السينمائي، ورغبته في الاستعانة بي لإيجاد مواقع تصوير وغيرها من لوازم عمله.
في هذه المرحلة رحبت تماماً -مع استغرابي من رغبته في العمل معي بعد انقطاع طويل- بالتعاون مع المخرج بايزيد، وبعد مكالمة هاتفية، بدأ بالحديث إليّ عن فيلم النفق، وأرسل إلي العرض التشويقي “تريلر” للفيلم، وكذلك عن المصاعب التي وجدها حتى الآن في تمويل الفيلم، وتحدثنا على سكايب لأول مرة.

في هذه المحادثة صارحني المخرج بنيته مناقشتي في أمر مهم، وأخبرني خلالها بأنه استنفذ كل ما لديه من محاولات لتحصيل التمويل، ولم يعد لديه إلا بطاقة أخيرة، وهي أن يتعرض لمحاولة اغتيال من أجل تمويل الفيلم، ويريد مني مساعدته في تنفيذ ذلك مقابل أجر مادي. رفضت وقتها الأجر المادي، غير أنه عاد ليخبرني أنه حدد المبلغ بالفعل.

اجتاحتني الشكوك أثناء هذه المكالمة وبعدها، وأخبرت عدداً من المقربين بتفاصيلها حينها، وكان كل ما أفكر فيه أن محمد بايزيد يريد أن ينفذ هذه المحاولة، وأن يستغلني (حيث أنه يعرفني، وفي ذات الوقت لست قريباً منه بشكل كاف)، وربما سيقوم باتهامي في النهاية بمحاولة اغتياله لإضفاء المزيد من المصداقية على هذه المحاولة. ولذلك فقد قررت منذ ذلك الوقت أن أقوم بتسجيل المكالمات التالية، كي أضمن “بوليصة تأمين” في حال أراد المخرج إقحامي في الأمر. كان تقديري وقتها أن محمد بايزيد قد أقحمني معه في الأمر بالفعل، وأن الانسحاب الفوري لم يعد حلّاً.

وبناء على معرفتي بالرجل، أدركت أنه إذا ما قررت الانسحاب الآن، أو حتى إذا ما نصحته أو أشرت عليه بالامتناع عن هذه الفكرة، ربما يتعجل تنفيذها واتهامي بها، كان موقفاً صعباً، وكان كل ما أفكر -وأدعوك أن تضع نفسك موضعي وأن تفكر أيضاً- في أن الشخص الذي يبدي استعداداً لإيذاء نفسه لسبب مثل ذلك، لن يتورع عن إيذائي أو إيذاء المقربين مني إذا أصبحت أمثل تهديداً لمخططه، وهذا هو السبب الرئيس الذي لم يجعلني أعلن عن الأمر في وقت مبكّر، أو حتى بعد الحادثة مباشرة.

بداية من المكالمة الثانية، بدأت بالتسجيل، لم أكن على اطلاع جيد ببرامج تسجيل المحادثات في هذا الوقت، ولذلك فقد هداني تفكيري إلى تصوير المحادثة باستخدام الكاميرا التي أستعملها في تصوير أعمالي، فعلت ذلك في هذه المكالمة فقط، وهي المكالمة التي اختار فيها المخرج أن يطلق على السلاح لفظ “الكاميرا”. أما المكالمات التي تلت، فكنت حينها قد استطعت الحصول على برنامج لتسجيل المحادثات وأصبحت ملماً بكيفية التسجيل، وبدأت في استخدامه بالفعل، وهذا ما تعرفونه جميعاً الآن.

لكن لماذا استمررت بمجاراته؟ في الحقيقة تمت هذه المكالمات كلها خلال ثلاثة أسابيع فقط، منذ نهاية شهر أيار/مايو، وحتى 21 حزيران/يونيو. وفي المكالمة الأخيرة، اختلقت عذراً قانونياً احتجت وقتاً طويلاً في التفكير فيه وتقديمه لمحمد بايزيد بشكل مقنع، وهو ما قاد المخرج ليوجه كلامه لي بشكل حاسم “أنت لم تعد طرفاً في الأمر، بشكل نهائي لا رجعة فيه ولا نقاش”، وحينها أخبرني بنيته أنه إما سيقوم بنقل العملية بأكملها إلى مكان آخر، أو سيقوم بإلغائها تماماً، أو سيعثر على شخص آخر لمساعدته، وهذا كله موثق بالصوت والصورة. عندما اعتذرت كنت قد حصلت على ما يكفي من الأدلة لتأمين نفسي وأسرتي في حال قرر المخرج الانتقام، لكني لم أكن على استعداد لمشاركة أي شيء في هذه المرحلة، ولم يكن أحد ليصدقني على كل حال!

وقعت الحادثة مساء العاشر من تشرين الأول/أكتوبر، وحينها كنت أقوم بالتصوير في منطقة “شيشلي” السكنية بقلب إسطنبول، مع أشخاص من جنسيات مختلفة، سمعت الخبر وهرعت أستشير من حولي بما يمكنني فعله. لقد فعلها حقاً!

احتجت بعض الوقت للتفكير في الخطوة التالية، فكرت في التقدم بأدلتي للشرطة، لكن زياراتي السابقة لمخفر الشرطة كانت تقابل بمعاملة سيئة، سواء حين فقدت مبلغاً كبيراً من المال أو حين سُرق جواز سفر إحدى قريباتي، لم يكن الضباط الأتراك يصدقونني كوني سورياً، يرى معظمهم أن كل سوريّ كاذب إلى أن يثبت غير ذلك، ولذلك كان عليّ أن أجد طريقة أخرى.

خلال أيام كنت قد استطعت التواصل مع أحد المقربين من إحدى الجهات السيادية التركية، وأعطيت هذه الجهة التسجيلات التي لديّ، ونصحني بعض من تواصلت معهم من الأتراك ألا أوصل الأمر إلى الإعلام، فبالنسبة لهم كانت القضية جنائية تتعلق بتهديد الأمن القومي التركي وليست إعلاميّة، وكان هذا العامل الأبرز في قراري عدم التوجه للإعلام بأسرع مما فعلت، لكن الأمر كان قد وصل إلى المخرج بايزيد، وعلم بأن لديّ ما يدينه.

حينها بدأ بايزيد بالضغط عليّ من خلال التواصل مع أخي وبعض أصدقائي وزملاء المهنة، وكانت روايته تعتمد على أنني متورط في محاولة الاغتيال، أو أننا كنا نعمل سوياً على فيلم ما، وأنني اجتزأت المحادثات، ولذلك خرج بايزيد بفيلم “الكاميرا” في هذه المرحلة معتقداً أنه بذلك سيبطل قيمة التسجيلات التي بحوزتي، والتي كانت قد أوصلت كاملة إلى الجهات التركية المختصة التي أبلغتني بأنه كانت لديهم شكوكهم حول محاولة الاغتيال منذ البداية.

كانت الأحداث تتسارع، ومع الضغوط المستمرة، وبدء بعض أصدقاء المخرج الحديث بشكل علنيّ، بدأت في عرض الفيديوهات على عدد من المعارف الذين طلبوا رؤيتها، خاصة أن تأخير عرضها تسبب في المزيد من الضغط عليّ وعلى أسرتي، واتهامي بالادعاء على بايزيد مع عدم وجود البينة، ولذلك قررت أن أنشر المقاطع التي بحوزتي.

يقول المخرج إنني قمت بعرض الفيديوهات على منصات إعلامية رفضت نشرها، وهو ادعاء كاذب، فقد قبلت إدارة العربي الجديد نشر المقاطع فوراً بعد التأكد من صحة التسجيلات، ثم ها هي منصة هاف بوست تقبل نشر تدوينتي حول هذا الموضوع، وفي الحالتين، لم أتقاض أي مبالغ مالية لقاء المقاطع، ويمكن التأكد من ذلك بالعودة إلى إدارة جريدة العربي الجديد.

خلال الأسابيع الماضية، كان الضغط الذي تعرضت له وزوجتي هائلاً، هددّنا المخرج بمقاضاتنا في تركيا، وعرض علينا العمل على بعض مشاريعه بمقابل ماليّ مجز، ومارس ابتزازه العاطفي تجاه عائلتي بالتواصل مع أخي الذي لا يزال مقيماً في سوريا.

شخصيّاً، أتمنى أن ينتهي الأمر سريعاً، فقد تعرضنا لما يكفي من الأذى النفسي جرّاء هذه القصة برمتها، وربما ما يجب أن نعتذر عنه هو أن هذه القصة “حجبت شيئاً من أخبار أطفال سوريا الذين لا يزالون يموتون كل يوم” كما وصفها الدكتور همام يحيى. وأتمنى من كل قلبي أن تخرج أفلام تعرض حقيقة ما يحدث في سجن تدمر وكل سجون النظام السوري المجرم، وأن تروى حكاية الثورة كاملة وبصدق.
في النهاية، لست أنا موضوع هذه القضية. فالأمر يتعلق بخداع مئات الآلاف من الأشخاص، وتهديد أمن دولة تستضيف السوريين، وإلقاء الذعر في نفوس الملايين من المقيمين في إسطنبول، واستغلال حماس مؤيدي الثورة السورية، وتضليل الإعلام والرأي العام وممولي الأعمال الفنية الجادة، وربما هذا ما يجب علينا جميعاً أن نواجهه سوياً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى