زيارة غامضة لوزير الأوقاف / بسام بدارين

زيارة غامضة لوزير الأوقاف
يعرف وزير الأوقاف الأردني الشيخ هايل داوود مسبقاً بان زيارته المثيرة الاسبوع الماضي لمؤسسات «قم» الإيرانية تخللها عرض بضاعة سياسية بغلاف ديني لا مجال لتسويقها حتى وسط أركان القرار في مؤسسات بلاده. الشيخ داوود الذي اعتبر قبل أشهر قليلة وبصورة علنية أن فتح المواقع الدينية جنوب الأردن للسياحة الشيعية أمر حساس وخطير والوقت لا يناسب طرحه والتحدث عنه هو نفسه الوزير الذي خطب ود مؤسسة «قم» وأطلق تصريحاً غريباً تحدث فيه عن التعاون مع مؤسسة قم الإيرانية العريقة في مجال الفكر الإسلامي وضد الغلو والتطرف وحتى الإرهاب.
الرسالة لا يمكنها ان تكون إلا سياسية ووزير مثل الدكتور داوود لا يعزف منفردا أو حتى بناء على اجتهاد حكومي فقط على نغمة من هذا النوع فالملف الإيراني برمته بالنسبة للأردنيين لم يكن يوما سياسيا بل استقر منذ عقود في الزاوية المخصصة في الملفات الامنية.
بهذا المعنى يمكن ببساطة القول بأن مغازلات وزير الأوقاف الأردني للمؤسسة الدينية المرجعية في إيران وبالنتيجة في العراق تعبير عن خطوة تكتيكية اعلامية اكثر من كونها تعبيراً عن مظاهر انفتاح مباغتة أو رغبة جدية في التعاون حتى تحت يافطة الفكر الديني والإسلامي بدليل ان تصريحات الحكومة الأردنية حول صعوبة تلبية طلب ايراني متكرر يتعلق بفتح المجال أمام السياحة الدينية الشيعية ركزت دوما على التوقيت غير المناسب. تحول وزير الأوقاف بالسياق له بالضرورة اغراض سياسية لكن يمكن ملاحظة الجانب الاحتوائي والتخدير في إطلالة الأردن على مؤسسة «قم» تحديدا باعتبارها قريبة من فكرة آل البيت التي يعبر الأردن عنها قبل واكثر من غيره.
الاحتواء يكمن هنا في ان زيارة الوزير لـ «قم» ومجاملاته لمؤسساتها تصدرت المشهد بعد ثلاثة تصريحات علنية ضد الأردن لوزارة الخارجية في طهران تعترض على تصنيف الحرس الثوري الإيراني ضمن المنظمات الإرهابية التي تضمنتها قائمة قدمها للمؤسسات الدولية بطلب مباشر من موسكو وزير الخارجية ناصر جودة.
تصريحات الخارجية الإيرانية كانت حادة وتعترض بشدة على وروود الحرس الثوري في قائمة تصنيف الإرهاب الأردنية مع اشارات هنا وهناك إلى ان الأردن من رعاة الإرهاب في سوريا. اغلب التقدير ان الوزير داوود اخترع فكرة زيارته لـ»قم» أو اخترعت على مقاسه مع مجاملاتها المرافقة لاحتواء الغضبة الإيرانية. وهو أمر قد لا يتحقق في رأي برلماني عريق من وزن خليل عطية يعترض على الزيارة ويخشى من كلفة التقارب مع إيران التي تغذي وترعى برأيه الاستهدافات الطائفية لأهل السنة في العراق. برأي عطية مناورة وزير الأوقاف لن تكون منتجة وبرأي الوزير نفسه ستؤدي هذه المبادرة التواصلية إلى المساهمة في توحيد مراجع الفكر الإسلامي ضد التشدد والتطرف ومن كل الطوائف اما برأي مراقبين محايدين فزيارة «قم» لن تؤدي إلى نضج اي تفاهمات جذرية بين عمان وطهران ما لم ينته المشهد برفع الفيتو الأردني الامني عن ملف السياحة الدينية الشيعية لبعض المراقد والمواقع المقدسة للشيعة في جنوب الأردني وتحديدا في مدينة الكرك.
بكل الاحوال يعلم الأردنيون بان طهران لن تشتري بسرعة روايتهم حول تصنيف الحرس الثوري بأجنحته المتواجدة حصريا في سوريا ضمن قائمة الإرهاب لكن العاصمة الإيرانية بكل الاحوال تستمر في سياسة التجاوب الدائم مع اي طرقة أردنية على ابوابها حيث لا توجد مخاسر ان لم تتوفر مكاسب في مثل هذا التجاوب.
أي تفاعل أردني مع إيران يغضب الحليف السعودي بطبيعة الحال ولا يسمح بعبور المصالح الأردنية عند الحكم الحليف لطهران في بغداد لكنه مفيد عندما يتعلق الامر بالتناغم مع الإيقاع الروسي ثم الإيراني في سوريا المجاورة ويخدم بالضرورة استراتيجية التنويع التي يبحث الأردن عن ملامحها بهوس هذه الأيام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى