قلق في الشارع الأردني

سواليف

تُستخدم مفردات قد تعوزها الدقة المتناهية، من طراز «وحشي وهمجي» لأول مرة في وسائل ووسائط الإعلام والتواصل الأردنية عندما يتعلق الأمر بحادثة صادمة لها علاقة بطريقة القبض على مواطن شمال المملكة من قبل مفرزة أمنية تتبع البحث الجنائي في جهاز الشرطة.
الحادثة وقعت في مدينة الرمثا المحاذية لسوريا شمال المملكة. لكن تأثيرها السياسي دخل في صلب النقاشات في عمق مسألة الأداء الأمني وسط نخبة القرار في العاصمة عمان.
حصل ذلك لأن المألوف الاجتماعي والشعبي الأردني لم يرصد سابقاً مثل هذا الاعتقال، حتى وإن حصل في مناطق أو مرات عدة.
في العادة يتفهم الرأي العام خشونة الأمن في الاعتقالات والاستجوابات، عندما يتعلق الأمر بعصابات إجرامية مطاردة أو حالات فوضى شديدة أو بالإرهاب، ففي مثل هذه الحالات يطالب الناس أحياناً بصرامة في تنفيذ القانون.
لكن هذه المعايير لم ترافق حادثة الرمثا، التي أصبحت شهيرة، فالضحية ــ كما ظهر في شريط مصور تم تروجيه على نطاق واسع أستاذ في الجامعة في كلية الرياضة تحـديداً، هو الـدكتور محـمد الذيابـات.
المشهد صدم الرأي العام، حتى أنه يتردد بأن مدير الأمن العام شخصياً الجنرال أحمد الفقيه نفسه شعر بالصدمة، فأصدر بيانًا يتبرأ فيه على مستوى إدارة الأمن الداخلي من سلوك المفرزة فيما حصل في مشهد قصة الرمثا.
قد تبدو مثل هذه المشاعر طبيعية عند الجنرال المظلي الذي أصبح مديراً للأمن العام، وكُلِّف مَلكيًا علنًا بتوجيهات تَحدّثت بالنص عن معيار القانون وتحديث وعصرنة الأداء الأمني.
ردة فعل الجنرال الفقيه مبررة، لأنه أشرف شخصيًا على أحد مظاهر هذا التحديث مؤخرًا، عندما أعلنت مديريته أن كتف رجل الشرطة أثناء الخدمة سيكون مزوداً بكاميرا صغيرة لإحقاق الحق والعدالة.
معنى ذلك أن توجه مديرية الأمن العام وفلسفتها يحاولان الرسوخ في مسألة مراقبة الأداء الأمني بطرق عصرية حديثة، وتثقيف الكوادر، بمعنى احتواء الانتهاكات، وحصل ذلك بطبيعة الحال بالتزامن مع الأمر المَلِكِي الأهم؛ وهو إعادة هيكلة المؤسسات المعنية بـالأمـن الاجتـماعي بما يتطـلب ذلك من عـمل مؤسسـي.
لذلك أصدر الفقيه بيانًا شديد اللهجة يستنكر ما حصل، ويؤكد أن سلوك رجال الأمن في حادثة الدكتور الذيابات لا يمثل المديرية، مُعلنًا تحويل أعضاء المفرزة الأمنية إلى المدعي العام للتحقيق معهم، ومتعهداً بأن يأخذ القانون مجراه تجاوبًا مع أهالي مدينة الرمثا الذين تجمعوا ليلة الثلاثاء الماضي وأغلقوا بوابة مدينتهم احتجاجاً على ما وصفوه بالهمجية والوحشية في تعامل فرقة البحث الجنائي مع ولدهم الأستاذ الجامعي.
ردة فعل عشيرة الذيابات وبعض أهالي الرمثا، كانت غاضبة جدًا، والبيان الاحتجاجي طالب بالكشف عن أسماء المتورطين من المجموعة الأمنية، وهو مطلب غير قانوني بكل الأحوال، وإن كان القصد الاجتماعي منه تحميلهم عشائرياً مسؤولية ما حصل.
الحادثة اشتهرت وسط الرأي العام مصادفة، فعملية الدهم والاعتقال بصرف النظر عن خلفيتها القانونية حصلت في مطعم سياحي والكاميرات المنصوبة في المطعم هي التي التقطت التفاصيل.
تلك الكاميرات أظهرت ما لا يقل عن تسعة من رجال الأمن بالزي المدني يقتحمون المكان ويقبضون على ثلاثة أشخاص بينهم الضحية، المفترض الأبرز الدكتور ذيابات الذي نال الحصة الأوفر من العنف الأمني، فقد ألقي على الأرض مرات عدة، وتم تحطيم مقاعد معدنية على جسمه بقسوة وخشونة، لم يسبق للرأي العام أن رصدها في الشارع على الأقل، لأن تقارير المجتمع المدني كلها تتحدث عن انتهاكات وضرب داخل مراكز الأمن لا خارجها.
يشرح الفيديو بوضوح عدم وجود خطر على المجموعة الأمنية، أثناء عملية الدهم، يبرر الخشونة المفرطة، ويشرح أيضاً أن الدكتور ذيابات قد أوقف أصلاً ولا مبرر للاستمرار في ضربه، فيما لم تجر عملية الاعتقال بالهدوء المعهود.
المشكلة الإضافية أن الدكتور ذيابات، بعد الافراج عنه إثر احتجاج عشيرته أصدر توضيحاً تحدث فيه للرأي العام الأردني عن جزء آخر من ضربه بوحشية، لم يظهر في الفيديو، وذلك في السيارة وداخل المركز الأمني.
الغريب جداً في هذه الحادثة أن أيّاً من الأطراف فيها لم يشرح الخلفية القانونية التي تستوجب أصلاً دهمًا بهذا العنف، وكل ما ورد حتى في بيان الأمن العام يتحدث عن خلافات بين شركاء تجاريين، وهي مسائل كثيرة في العادة، ولا تؤدي للحجز والاعتقال، إلا بقرار من المحكمة، وتتم التسويات عبر جهاز الشرطة في ضوء رعاية المحكمة والادعاء.
ذلك يثبت وجود سطر ناقص مقلق في القصة كلها، لم تسمح به فيما يبدو حتى اللحظة، أجواء الشفافية، فمقدار الضرب الذي تلقاه الأستاذ الجامعي الذيابات أكبر بكثير من مستوى المخالفة القانونية التي صدرت في البيان الرسمي.
بكل حال لم توضح مديرية الأمن العام تفاصيل إضافية، ولم تبرز للناس حتى اليوم الرابع الرواية أو الحكاية من جهة جهاز البحث الجنائي، الذي يعرف الجميع أنه يتميز بالاحتراف والأداء والأساليب العصرية في جمع المعلومات وعمليات الدهم، وأغلب التقدير أن إدارة البحث الجنائي لديها تفسير للأمر، أو تعليل له، من زاويتها، لكن هذا التعليل لم يصدر بعد.
الحادثة بطبيعة الحال أثارت النقاش مجدداً حول ما يسمى عنف الشرطة وأساليب التعامل مع الجمهور، في الوقت الذي يدعم فيه الجمهور جهاز الشرطة، ويشتري بارتياح تلك الروايات عن مخالفات فردية الطابع.

أضخم سرقة كهرباء

أما سياسياً؛ فقد أضافت حادثة الرمثا مشكلة جديدة، لها علاقة بإدارة الخدمات الأمنية على المستوى الاجتماعي، خصوصًا في عهد الجنرال الفقيه الذي يعمل بعض المتربصين في الاتجاه المضاد لبقائه في موقعه.
الشفافية المنقوصة هنا تزيد التعقيدات في اوصال المجتمع، الذي لم يفهم بالتوازي بعد سر الكشف عما وصف بأنه أضخم سرقة كهرباء في تاريخ المملكة، من دون الكشف عن هوية واسم المتورط في هذه السرقة، أو عن السبب الذي أدى إلى اعتقاله، ثم الافراج عنه ثم اعتقاله للمرة الثانية في غضون ثلاثة أيام.
وبرغم أن حادثة السرقة هذه واحدة من نحو 1700 حالة قريبة منها، إلا أن وسائط التواصل الاجتماعي منشغلة على مدار الساعة، ومنذ نحو أسبوع كامل بقصة «لص الكهرباء» الذي تردد أنه سرق كهرباء بما قيمته 300 ألف دينار.
بسام بدارين- القدس العربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى