.أمي ..قاموس العمر

[review]يعجبني فيك كل شيء، مقاس عينيك الغائمتين، اتساع يديك، خصلة شعرك الهاربة كعرق ياسمين أبيض، ضحكتك الموقوتة، تفاصيل جبينك، طريقتك في ردّ السلام، رائحة بيتك، صمتك المقصود، صوتك الممزوج بطحين العمر، حفيف صبرك بزجاج حلمك . بصراحة يعجبني فيك كل شيء،كل شيء…لأنك الغلاف الأنثوي الوحيد الذي حماني من الجلدة الى الجلدة ..وحمى صفحات عشقي من الضياع..أحترم خصوصيتك أيتها الغالية، فلا أمدّ يدي الى طبّاخ القهوة الأزرق مقطوع اليد ..فهذا اختصاصك، ولا أنزع ورقة الروزنامة نيابة عنك فهذه أيضاَ من اختصاصك، لا أتعدّ ى على حوارك مع إبريق الشاي ولا أناقش كمية السكّر، فأنت أستاذة مزاجنا،وباروميتر الذوق كلّه،أراقبك وأنت تؤقتين كل شيء ولا أعلّق : إشعال النار على القهوة، إطفاء النار على البيض، موعد اتصال الغياب،تناول حبّات السكّري، موعد قطرة العين اليسرى، صلاة الظهر..ما أروعك وأنت دقيقةً وحريصة على الوقت مثل جنرال عتيق …بالمناسبة أنت تعرفين أني لا أجرؤ على تغيير مكان النملية تحت أي ظرف كان، ولا على أزاحة الساطرة شبراً واحداً، ولا على ترتيب لحافك الا بالطريقة التي ترغبين،وتعرفين أني لا أجرؤ على تغيير مكان مفتاح الدرّاج السرّي، ولا مكان طاحونة القهوة الصفراء اياها، ولا أقدر على تغيير مكان وصلة الكهرباء، ولا على تقديم ساعة الحائط أو تأخيرها دقيقة واحدة … فأشياؤك لا ترتاح الاّ إذا جلست في مكانها..وأنا أحترم جدّاً مملكتك الصغيرة …أعرف أنك تحرصين على متابعة النشرة الجوية كل مساء، لكن دبق النعاس العسلي يخيط عينيك، فتغفين رغماً عنك، أغطّيك وأنت لا تشعرين أشعل نوّاسة خافتةً بالكاد تضيء لك صور الأشياء، أقرب ساعة المنبّه منك كالعادة، وأغادر . في الصباح،انتظر قلقاً حتى أسمع صوت الهاون وأشتم رائحة الهيل التي تنتشر فوقك ومن بين يديك مثل غيمة تشرينية.فأصحو..أقبّل جبهتك القمحية على غفلة وأنت تعيدين ترتيب الشنبر فوق رأسك..فأشتم منه رائحة السنابل الخضراء والعشب البرّي وتراب السهول…فأحلق فوق سمائك، فوق طيّات ثوبك الغامق، ليأخذني تيّار الحنين نحو جنوب العمر…كل عام وأنت بخير يُمّه..ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى