عروض على مسرح الوطن / عالية الشيشاني

عروض على مسرح الوطن
على مسرح الوطن تتزاحم العروض والمشاهد والاخبار ، خشبته تهتز طوال الوقت تحت ضربات اقدام السياسيين وصناع القرار وممثلي الشعب والمعارضين السياسيين واصحاب الرأي ، يتبارون في اعلان رأي او دفع تهمة ، او تفنيد خبر او طرح مشروع . الجمهور هم احيانا الممثلون والعكس صحيح . وثمة من يحاول دائما ضبط الامور والامساك بجميع خيوط اللعبة .
يعتلي احد المسؤولين الخشبة ليعلن بوجه متجهم (ان قطاع السياحة بات في تراجع مستمر بسبب تراجع الاستثمار فيه ، وان لهذا التراجع علاقة بالاضطرابات ، والحروب من حولنا في المنطقة دفعت بالسائح للاحجام عن زيارة المنطقة )، يقاطعه شاب من الجمهور بسؤال (وما هي الحلول المطروحة لتفادي الخسائر في هذا القطاع ، وما هي خططكم لمنع البطاله في صفوفنا نحن ادلاء السياحه؟) وقبل ان يجيب المسؤول يقف اخر ليشرح الحالة المزرية لبعض الاماكن السياحيه وغياب النظافة فيها . يجيب المسؤول بعبارات مغمغمه ويهبط من على خشبة المسرح مسرعا.
يعتلي الخشبة مسؤول اخر ليصرح بان معدلات البطاله في ارتفاع مستمر . يقطع معارض سياسي حديثه ويصعد الى المسرح موجها للمسؤول نظرات ناريه متهما الحكومة بالفشل في مواجهة البطالة وبالاسراف وتبذير المال العام موردا ارقاما تكشف حجم الانفاق الحكومي على سيارات الوزراء وكبار المسؤولين ، لكن منسق فقرات العرض يحول دون تدفق افكاره طالبا منه المغادره لان الوقت المخصص لمداخلته انتهى .
تندفع شابة من وسط مقاعد الجمهور وتعتلي المسرح رغم محاولة ايقافها من قبل المنسق واعوانه ، تمسك بالميكروفون مستغلة حالة الارباك التي سادت على المسرح لدقائق فتصرخ باعلى صوتها ( ما دام الحديث جاريا عن هدر المال العام والاسراف ابشركم بانني كنت بالامس في احد احياء عمان التراثية وصدمت عندما شاهدت اعمدة الانارة على جانبي الطريق تتوهج بالضوء في عز الظهيرة ولم يحرك احد ساكنا لايقاف هذا الهدر حتى افراد الشرطه السياحيه كانوا يجلسون بهدوء داخل الكشك المخصص لهم دون ان يحركوا ساكنا ، يحدث هذا في الوقت الذي اشاهد فيه ارباب اسر يرتعدون لدى استلامهم فاتورة الكهرباء ، واسرا تشتري مدافىء الكهرباء ثم لا تجرؤ على تشغيلها في برد الشتاء لانهم يعلمون جيدا انه ليس في استطاعتهم تحمل تكلفة فاتورة الكهرباء المرتفعه ، وما زال الحكومة تطلق بالونات الاختبار بالحديث عن رفع محتمل لاسعار الكهرباء .
بينما يحاول منسق العروض احتواء غضب الفتاة واقناعها بالنزول من على خشبة المسرح يقف احد الجالسين في الصف الاول ويؤازر الفتاة ويزاود ، ويرفع عقيرته بالصراخ لكن احد الحاضرين يسكته بعبارة ساخره وتهتز جنبات المسرح بضحكات الجمهور ( اقعد مكانك ، لسه بدري على الانتخابات النيابيه، لسه بدري على الدعايات الكذابه ) .
يصعد مسؤول على المسرح ليعلن ان الدولة ماضية في وضع الخطط والبرامج لمنع انهيار الصحافة الورقيه ، يقفز احد الصحفيين ويوجه استفسارا للمسؤول ( اعرب لنا هاي الجمله من فضلك) تتعالى الاصوات مجددا ويكثر اللغط ، بعض الشباب والشابات ممن يجلسون في المقاعد الخلفية يتسللون بصمت الى خارج المسرح في طريقهم للمشاركة ببرامج The Voice ، و Arabs got talent وسواها .
بينما يتصارع اثنان على الخشبة لعرض وجهات نظرهم في ظاهرة التطرف الديني ، منشأها واسبابها ، وعن العلاقة الوثيقة بين ازدياد معدلات البطالة وتفشي التطرف الديني بين الشباب ، تتهيأ الظروف على المسرح لصعود كاتب مخضرم يقف بثبات امام الميكروفون يتأكد من وضعية نظارته الطبيه ويمسح بيده على شعره المصفف بعنايه ثم يقول ( يمكن وفي خلال 24 ساعه ان تجفف الحكومة مصادر التطرف والكراهية اذا توقفت هي بنفسها عن تطرفها الديني ، ما حاجتنا الى كل ذلك الانفاق من اموال دافعي الضرائب على العمل الديني الرسمي ؟ الدولة ليست مكلفة في الشريعة الاسلامية بما تقوم به من دور ديني ، لا التعليم الديني في المدارس والجامعات ولا الدعوة والامامة في المساجد ولا المحاكم الشرعيه ولا الافتاء ….
تقطع اعداد غفيرة الجمهور الغاضب تدفق وجدانه باصوات تهكميه وكل واحد منهم يرفع يده بوضعية الابهام الى الاسفل والاصوات التهكمية ترتفع وتيرتها ( ووووو) .
بسرعه فائقه يستعيد الكاتب السيطرة على الموقف ويكمل شرح مشروعه “التنويري” : هذا الدور الرسمي للدولة في الانفاق على العمل الديني الرسمي لو اوقف فانه يمكن توفير 250 مليون دينار سنويا فنكون بذلك قد جففنا منابع التطرف والكراهية ولن يتضرر الدين ابدا .
يقف احد الحضور ويطرح تساؤلا على الكاتب ( يعني انت شايف ان المساجد ودروس التربية الدينية في المدارس والجامعات هي بؤر لتفريخ الكراهية والتطرف ، ما شاء الله ، وبدك الدولة ما تصرف ولا قرش على أي نشاط ديني )
– بالضبط لندع هذه المهمه لمؤسسات المجتمع المدني ويكون دور الدولة دورا رقابيا فقط .
– وليش من غير شر ؟
– لأن ثلاثة ارباع المتطرفين الدينيين ليسوا اعضاء في جماعات دينية متطرفة ولا من مؤيدي الاسلام السياسي ولكنهم ينتمون الى المجتمع ويعملون في الوظائف العامه وفي القطاع الخاص .
يأخذ احد الحضور زمام المبادره ( يعني كل هالناس اللي بتستنى طول السنه وبتدعي ربها عشان تطلع في بعثات الحج من الجيش والامن والوزارات انت ببساطة بتقتل امنياتهم بمشروعك هذا ، والمساجد والمحاكم الشرعيه بدها تستنى صدقات من المحسنين عشان تعمر وتشتغل ، وطلاب المدارس ان شاء الله عمرهم ما يتعلموا اصول دينهم ، هذا اللي بدك اياه؟ )
تتداعى الجماهير من مختلف جنبات المسرح لتعبر عن استنكارها وتتعالى الاصوات هنا
– وهناك ، اصلا انتو هذا اللي بدكم اياه .
يحاول احد المسؤولين اعتلاء الخشبة بعد مغادرة الكاتب ليدلي بتصريح حول الاعباء الماليه المترتبة على البلاد جراء استضافة اللاجئين السوريين على اراضيه ، لكن القاعه تبقى تمور في حالة غريبة ، والاصوات تتعالى من كل جانب ، صراخ ، اتهامات متبادلة
– انت بتزاود على مين .
– طبعا، اللي بسويه المرابع بطيب للمعلم .
يستمر الصخب وسط بروز شاشات عرض ضخمه تعرض صورا لاوشام صبيه جميله ، اوشام في منطقة الرقبه واوشام في الكتف واخرى في المعصم ، مع كتابات تومض بالوان مختلفه تقول ( شاهدوا وشم منه شلبي الجديد) .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى