النافخون في الكير وهجومهم الإعلامي الصاخب . . !

النافخون في الكير وهجومهم الإعلامي الصاخب . . !
موسى العدوان

جاء في الحديث الشريف أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال : ” أنصر أخاك ظالما أو مظلوما “. فقال له رجل : يا رسول الله . . انصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إن كان ظالما كيف أنصره ؟ قال : ” تمنعه من الظلم، فإن في ذلك نصره “.
خطر ببالي هذا الحديث الشريف، وأنا أقرأ وأستمع لما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، من حوار على أثير إذاعة (جي بي سي )، بين المذيع محمود الحويان، وأحد المتقاعدين العسكريين قبل بضعة أيام، وما أثير حوله من ضجة إعلامية صاخبة. فارتأيت أن أبحث عن الحقيقية بكل تجرد وحيادية، لعلني أمنع الظالم عن ظلمه كما قال رسولنا الكريم. وأعرف بأن هذا المقال سيثير حفيظة البعض، ولكنني لن ألتفت لذلك طالما أنني أسعى لغاية نبيلة.
فبداية أعتقد أن قصة المواطن المتصل بالإذاعة بدأت بمحادثة بسيطة، ثم جرى تضخيمها وتحويلها إلى معزوفة إعلامية مزعجة، أثارت شجون المتقاعدين العسكريين، وأساءت للمذيع فدفعت القائمين على الإذاعة لفصله من عمله بطريقة غير لائقة. ولكن هذه المحادثة الهاتفية الروتينية، كشفت في حقيقتها قضية أمنية خطيرة، تتعلق بأكثر من مائتي ألف متقاعد عسكري، معظمهم من الرتب الصغرى، وممن تقل رواتبهم التقاعدية عن مستوى نصف خط الفقر الذي أعلنته الحكومة.
وهنا سأتحدث بشمولية عن خمس جهات تشترك بهذا الموضوع هي : الوكيل المتصل، المتقاعدون العسكريون كأفراد، مؤسسة المتقاعدين العسكريين، الحكومات المتعاقبة، والمذيع المحاور. فإن كنت أجد عذرا للوكيل في اتصاله بالإذاعة لبث شكواه، بعد أن ضاقت به الدنيا ولم يجد من يصغي لطلبه المعيشي، إلاّ أنني لا أعفيه من المسؤولية الشخصية. إذ كان عليه أن يقدّر موقفه المالي كما تعلّم في الأدبيات العسكرية، وأن لا يرهن كامل راتبه للجهة المقرضة حسب إدعائه، بل العمل بالمثل الشعبي ( على قد لحافك مدّ رجليك )، لكي لا يضطر لطلب المساعدة من الغير.
وهذه الحالة تقودنا إلى النظر بحالة بقية المتقاعدين العسكريين، والذين هم ليسوا أحسن حالا من هذا الوكيل. فكان على جميع المتقاعدين العسكريين، أن ينظّموا أنفسهم في هيئة رئيسية واحدة، سواء كانت المؤسسة العسكرية أو غيرها، لكي تمثلهم وترعى شؤونهم بصورة فاعلة، بدلا من التشرذم وتشكيل العديد من الهيئات والجمعيات، التي لا أهمية لها ولا تقدّم لهم خدمة عامة مستدامة.
وبالنسبة لمؤسسة المتقاعدين العسكريين، التي تحمل الاسم الطويل التالي : ” المؤسسة الاقتصادية والاجتماعية للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى “، فقد أثبتت فشلها منذ ولادتها في عام 1974 وحتى الآن، ولم تحقق الغاية المرجوة منها رغم توالي الإدارات عليها، ورغم تعاقب رؤساء الوزارات عليها عبر السنين ( كرؤساء مجالس إدارتها ).
فلكي تكون المؤسسة فاعلة يجب أن تعاد هيكلتها، من حيث التنظيم، والإدارة، وأسلوب العمل، وانتخاب رئيسها وأعضاء إدارتها ومجلس إدارتها، لكي تنطلق بعمل منتج كما في مؤسسات المتقاعدين العسكريين، في مصر وباكستان والصين وغيرها، والتي نجحت في تنفيذ مشاريع إنشائية واستثمارية كبرى بكل كفاءة.
أما بالنسبة للحكومة الأردنية الحالية، فعليها أن تصدر الأمر بإعادة هيكلة المؤسسة ودعمها ماليا، وإعطائها الأولوية في تنفيذ مشاريع الدولة، التي تقع ضمن إمكانياتها. إضافة لذلك فعليها أن تجعل الراتب التقاعدي للعسكريين، لا يقل عن مستوى خط الفقر الذي قررته الحكومة نفسها إذا أرادت أن تحفظ كرامتهم. وقد يساعد في هذا الأمر، فرض اشتراك إلزامي على جميع المتقاعدين العسكريين، بمبالغ شهرية بسيطة تناسب مع دخولهم، بشرط أن تخصص لإقامة مشاريع مدروسة، تحت إشراف محاسبي دائم، وليس لاستخدامها كرواتب ومكافئات لموظفيها.
وعودة على موضوع المذيع محمود الحويان، فلا شك بأنه من المذيعين الوطنيين الأكفاء، ولديه خبرة إعلامية تتجاوز الثلاثة عقود، وكان نصيرا لكثير من المواطنين، إذ ساعدهم في تلبية كثيرا من مطالبهم مع الجهات المختصة، وأجرى العديد من المقابلات الإذاعية والتلفزيونية خدمة لمصلحة الوطن.
فحديثه مع الوكيل المتقاعد كان باعتقادي حديثا عفويا، حاول من خلاله أن يقدم له النصح بالاعتماد على النفس، وبما يتناسب مع حالته الصحية، دون الاعتماد على الغير لمساعدته. ولكن قد يكون أخطأ في تعبيره ولكنه لم يقصد الإساءة له أو للمتقاعدين العسكريين.
وعندما حدث ذلك اللُبس في فهم مقصده، خرج على وسائل التواصل الاجتماعي، وقدّم اعتذاره لجميع المتقاعدين العسكريين وللوكيل نفسه. وإن كان قد أخطأ . . فقد قال رسولنا الكريم ” كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون )، فهل نجد لأخينا عذرا كما هي عادة الكرام ؟
ولكن أن تتم الإساءة إلى سمعة الرجل وتاريخه الإعلامي النظيف بهذا الشكل وفصله من عمله، فأعتقد أن فيه ظلما كبيرا. وليتذكر الجميع أن الظلم ظُلمات، وحبذا لو يعود القائمون على الإذاعة عن قرارهم، إنصافا للرجل وتقديرا لعمله الطويل لديهم.
أما المتصيدون في الماء العكر، والمنتظرون لزلاّت الآخرين، فأتوجه لهم بالأسئلة التالية : هل هذه الهجمة الصاخبة على ذلك الرجل، هي غيرة على مصلحة المتقاعدين العسكريين والمواطنين الأردنيين ؟ وإذا كانت كذلك فلماذا لم توجهوا هجومكم، على من اتهم قبل بضع سنوات عددا من كبار الضباط المتقاعدين، ممن شاركوا في حروب الأردن وفلسطين، وعلى محطة فضائية قائلا : ” بان لهم أجندات خارجية، وأنهم يقبضون من الخارج ” ؟ تلك التهمة التي ترقى إلى مستوى الخيانة العظمى، وتستحق أن تثير غضبكم إن كنتم صادقين ؟
ولماذا لم نسمع لكم صوتا عندما وجه أحد المسؤولين عبارات قاسية، تجاه من عارضوا مشروعه الفاشل ومن بينهم عسكريون متقاعدون، واتهمهم ” بأنهم حمير وزبالين ” ؟ ولماذا لم تغضبوا عندما وصف أحد الكتاب بعض المواطنين ” بأنهم ديدان الأرض ” ؟ ولكن يبدو أن القضية ليست رمّانة، بل قلوب مليانة.
ختاما أقول : إذا كان المسؤولون قد أعادوا توظيف ذلك الوكيل فشكرا لهم، ولكنه حلا آنيا قصير النظر. فهناك مشكلة أمنية كبيرة تتعلق بشريحة كبيرة من المتقاعدين العسكريين. وعلى المعنيين في الأمن الوطني للدولة أن يولوها اهتمامهم. وعلى نافخي الكير . . أن يكفّوا عن هرائهم ومنشوراتهم المسمومة، وأن يتقوا الله فيما يقولون ويفعلون . . !
التاريخ : 10 / 2 / 2021

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى