البلد على كف عفريت / جروان المعاني

البلد على كف عفريت
الكلب وحده يعلم على من نبح، فالظلمة تُغرق المكان، وحين تسلل اللص كان الجميع يحتفلون ويتغنون بصوت مرتفع والغريب أن زعيم اللصوص الأكبر كان من ضمن المحتفلين وبالتالي نجحت خطته بإرسال أحد إتباعه فسلب اللص ما شاء ومضى في حال سبيله تاركاً الكلب ينبح.
في رواية نجيب محفوظ كان اللص مظلوماً حيث وقع في شرك الصديق والزوجة الخائنة وحيث كان العدل بين القضاة ضائعاً فضاع بطل الرواية لكن اللص هنا مجرم مع سبق الإصرار والترصد، ومع ذلك تعاطفنا جميعا معه لأننا أدركنا كم الظلم الكبير الذي وقع عليه.
هنا في الأردن الاحتفالات بيوم ميلاد المصطفى صلوات الله عليه، ومن ثم إحياء ذكرى استشهاد وصفي التل ثم ما تناقلته وسائل الإعلام حول معلم الجغرافيا المتشرد الذي اختار العزلة بخرابة قريبة من مجلس الأمة، وبنفس الوقت تصدر نقابة المعلمون بياناً شبه ناري يدين رفع أسعار الخبز والمحروقات ويتوعد البيان بأنها كنقابة لن تقف عند هذا الحد، مع أنها عجزت عن حماية معلم من الفقر والتشرد.!؟
نعم وصل الحال إلى حدودٍ من المُحال استيعابها دفعة واحدة، فترتكب المجازر في العريش بمسجد يقول القتلة انه مليء بالمُخبرين، وتقول الحكومة إن القتلة دواعش، في غزة هدوء حذر ومصالحة لا ندري إلى متى ستصمد وقصف إسرائيلي محدود لحدود غزة، وفي القدس مواجهات بين شباب عُزل وعسكر الصهاينة مدججون بالسلاح فيسقط شهداء في نابلس وغيرها على يد المستوطنين، ونشرة الأخبار هنا تختزل أحداث الدنيا بالتصفيق للحكومة على استحداث موقع (دعمك) وأكثر ما يقلقني أن عددا كبيراً من جيراني ليس لديهم انترنت كي يعبئوا استمارة دعمك فسيطرقون بابي كثيرا وبالنتيجة سيلقون باللوم عليَّ إن لم يحصلوا على دعم الخبز والمحروقات، وربما سيتهمونني بأني لص وتأمرت مع الحكومة ليبدأ نباح الكلاب عليَّ ..!؟
من الملاحظ أن من فاز في الأحداث الأخيرة بدءاً من إشكالية الحريري وليس انتهاءً باجتياح المسجد الأقصى مراراً هي إسرائيل وحزب الله واكتفينا نحن ببيان نقابي واحتفال بذكرى شهيد وتوزيع الحلوى بذكرى ميلاد المصطفى، هكذا نحن نحقق انتصاراتنا على الورق ويقتل منا يوميا عددٌ كبير ويزداد أعداد الفقراء وحين نسأل أنفسنا وماذا بعد ولمصلحة من كل هذا الذي يجري، تبدأ الكلاب بالنباح، ثم يأتيك التحذير بضرورة التنبه وعدم التمادي فالوضع جدا حرج وعلينا أن نتحمل كل شيء لتبقى البلاد سليمة معافاة، فتقتنع بضرورة السكوت حتى لا تكون أنت مفتاح الشر، فتكتفي بالكتابة حيث القناعة أن عدد القراء محدود جدا فاكتب ما شئت ولكن لا تهاجم موقع دعمك .!؟
النتيجة المرجوة من كل ما مضى ألا نتحول جميعا إلى حال معلم الجغرافيا، وألا يظهر بيننا قتلة يهاجمون المساجد بتهمة العمالة، وان يكون رفع الخبز والكهرباء أخر المصائب، وألا يلومني معلم اللغة العربية على ما ارتكبت من أخطاء في هذه المقالة، وأن تترفق الحكومة بردة فعلها على الأصوات التي تعارضها خاصة وأننا نحمل الرقم (135) في سلم الحريات الصحفية والرقم (118) في سلم الحريات السياسية .!؟
ما بين البحث عن الحرية واللهاث خلف رغيف الخبز تسقط كثير من القيم ومقومات الأمن والأمان ونمسي جميعا على كف عفريت.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى