على هامش تطوير القوات المسلحة / موسى العدوان

على هامش تطوير القوات المسلحة

وجه القائد الأعلى الملك عبد الله الثاني، رسالة إلى عطوفة رئيس هيئة الأركان المشتركة اللواء الركن محمود فريحات بتاريخ 2016/10/3، لتطوير وتحديث القوات المسلحة وإعادة هيكلة القيادة العامة، بما يتلاءم والمستجدات على الساحتين المحلية والدولية. وقبل أن أبدي بعض الملاحظات حول هذا الموضوع، أرغب أن أقدم التهنئة للرئيس الجديد بتولي هذا المنصب الهام، راجيا الله أن يعينه على حمل مسؤوليته الثقيلة.

فمن منطلق الحرص على أمن وهيبة قواتنا المسلحة، درع الوطن وسياجه الذي نفخر به، ألفت الانتباه إلى ظاهرتين عامتين، تاركا البحث في عمق القضايا العسكرية المطلوبة والتي يجب إحاطتها بالسرية التامة، للمختصين المطلعين على دقائق الأمور، والعارفين بالثغرات التي يجب معالجتها، تطبيقا للمثل الشعبي: أهل مكة أدرى بشعابها. وفيما يلي توضيح لما أقصده:

1. الظاهرة الأولي تتعلق بالأمن العسكري، وذلك من خلال نشر أسماء ووظائف مختلف القادة والضباط، في الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي وجعلها معروضة للجميع، مما يشكل خرقا للنواحي الأمنية العسكرية. ولا أعرف كيف تسمح القيادة العامة بتداول تلك المعلومات، مدعومة بالصور والمواقع التي يشغلها أو يغادرها أولئك القادة والضباط، سواء لمواقع جديدة أو للإحالة على التقاعد. علما بأن مهمة الأمن العسكري تتعلق بحماية المعلومات والأفراد والمواد، وعدم ترك الباب مفتوحا لكل من يرغب في ولوجه.

مقالات ذات صلة

من المعروف أن العدو سواء كان نظاميا أو شبه نظامي، يترصد لأية معلومة مهما كانت بسيطة عن خصمه، لكي يقوم بأرشفتها واختزانها في قيوده للرجوع إليها عند الحاجة. وهذا ينسحب على قادة القوات المسلحة الأردنية بمختلف مواقعهم. فطرح تلك المعلومات عنهم في وسائل الإعلام دون ضوابط، يعني أننا نقدم المعلومات التي يبحث عنها العدو، دون أن نكلفه جهدا في الحصول عليها.
وعند مراجعتنا لطبيعة عمل القوات المسلحة الأردنية خلال القرن الماضي، نجد أن تعليماتها تحرم على العسكريين نشر صورهم أو وظائفهم، أو تقديم التهاني منهم أو لهم في وسائل الإعلام. ومن يُقدِمُ على ذلك يعرض نفسه للمساءلة، لاختراقه قواعد الأمن العسكري. صحيح أن التركيز هذه الأيام منصبّ على المؤسسات الأمنية، ولكن القوات المسلحة هي الملاذ الرئيسي الذي تلجأ إليه الدولة وقت الشدة. وهذا بفرض علينا إعطاءها اهتماما كافيا، وأن يحاط أمنها بالسرية اللازمة. ومن باب آخر يجب أن تتمركز في موقع يليق بتاريخها العريق، ويحافظ على مكانتها العالية في قلوب الأردنيين.

ولكننا نلاحظ في هذه الأيام، أن وسائل التواصل الاجتماعي وفي مناسبات معينة، تطفح بالمعلومات التي ينتظرها العدو الظاهر والمستتر، دون مراعاة لنواحي الأمن العسكري التي تضر بمؤسساتنا الهامة. فهل ألغي من قاموسنا ما يطلق عليه العدو أو العدو المحتمل ؟ وهل وجود اتفاقية سلام بين الحكومة الأردنية وحكومة العدو الإسرائيلي، ألغت احتمالية الحرب معه مستقبلا وأشاعت بيننا جو السلام الحقيقي والدائم، وجعلتنا نفتح أمامه ملفاتنا العسكرية بكل بساطة ؟ أين نحن من الحكمة القائلة صديق اليوم هو عدو الغد ؟

2. الظاهرة الثانية، تتعلق بتضخم الرتب في القوات المسلحة، والتي أنتجت إشباعا للمجتمع ( بالباشوات المتقاعدين ) أي من هم برتبة لواء فما فوق. فهذه الرتب يجب أن تكون عزيزة ويحافظ على هيبتها، ولا يجوز لكل من أمضى المدة المقررة بترفيع تسلسلي دون إنجاز مميز، أن يحمل تلك الرتب المتقدمة. ففي القوات المسلحة الأمريكية على سبيل المثال، لا يحمل رتبة المشير (GENERAL 5 STAR ) إلا قائد قدم خدمات مميزة في زمن الحرب.

أما في زمن السلم فإن أعلى رتبة عسكرية في تلك القوات، هي رتبة فريق أول (4 STAR GENERAL) وتمنح إلى رئيس هيئة الأركان المشتركة، يقود جيشا يبلغ تعداده مليون وأربعمائة ألف جندي، تنتشر قواته وأساطيله البحرية والجوية في تسعين موقعا من دول العالم. وبناء عليه يجب على جيوش العالم الثالث الأخذ بهذا المقياس، نسبة إلى حجمها ونوعيتها والمهام المسندة إليها. وهو مقياس يجب أن ينسحب أيضا على الأجهزة الأمنية التي أتخمت بالرتب العليا دون حاجة حقيقية لها. فالموقع الوظيفي وليس الرتبة هو غالبا ما يقود من دونه.

خلال خدمتي كمدير لشؤون الضباط في القيادة العامة في أواسط عقد الثمانينات الماضي قدمت للمعنيين دراسة شملت عدة محاور من بينها : أن يصنف الضباط خلال الخدمة في خطين : خط يتعلق بالضباط الميدانيين، وخط آخر يتعلق بالضباط الفنيين والإداريين، وأن يوضع لكل منهما كادر محدد من حيث مدد الترفيع والعلاوات وأسلوب الخدمة.

يرافق ذلك وقفتان في رتبتي رائد وعميد ( SUSPENDED ) لفترة غير محددة – مع زيادة مجزية في الراتب بعد بضع سنوات – ولا ينتقل الضابط بعدهما إلى الرتبة الأعلى، إلا بعد اجتيازه لتقييم دقيق من قبل لجنة الضباط العليا، بحيث يتناقص العدد الإجمالي للضباط كلما ارتفعت الرتبة، وبما يتناسب مع شواغر الوظائف المتوفرة وليس العكس، أي خلق شواغر جديدة تستوعب الرتب المتوفرة. وأوصيت بأن من يكمل الحد الأدنى للترفيع في الرتبة ويحال إلى التقاعد، أن يعطى راتب الرتبة الأعلى دون ترفيعه عند مغادرته للخدمة الفعلية، على أن يعدل ذلك في قانون خدمة الضباط.

كما اقترحت أيضا إعادة النظر بمصادر تجنيد الضباط التي ترفد القوات المسلح وهي : جامعة مؤتة، الكلية العسكرية، والجامعيين الآخرين، بحيث يتقارب عدد خريجيها الداخلين في الخدمة مع الخارجين منها. ويمكن أن يرافق هذا نظام جديد لخدمة ضباط الاحتياط من الجامعيين، لتعزيز نقص القوات المسلحة عند الحاجة.

ولكن للأسف لم يؤخذ بكامل هذه الاقتراحات في حينه، مما خلق إرباكا وإنتاجا لحمولة زائدة، اضطرت القيادة العامة على أثرها لرفع شواغر مختلف المناصب لاستيعاب تلك الرتب دون حاجة حقيقية. فتكدست الرتب العليا في غياب التقييم المبكر، لدرجة أن إحدى قوائم التقاعد في الآونة الأخيرة شملت 24 جنرالا، وهو أمر غير مألوف في تاريخ القوات المسلحة.

وفي الختام أتمنى على رئيس هيئة الأركان المشتركة، أن ينجح في تقديم خطة عملية تستجيب لطلب جلالة القائد الأعلى، في معالجة واقع القوات المسلحة تطويرا وتسليحا وهيكلة، وأن يحقق الآمال المعقودة عليه، برفع كفاءتها القتالية في هذه الظروف الصعبة، التي نواجه بها التهديدات التقليدية والإرهابية من جهات متعددة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى