الحجر الكبير

الحجر الكبير / #يوسف_غيشان

يقول المثل الشعبيّ العربي ، الذي يتبدّى بكلمات مختلفة من قطر لآخر – حسب اللهجة – ، يقول المثل ، ما معناه ، أنّ الذي يحمل حجراً كبيراً خلال الشجار لا يضرب به .. وقد خطر في بالي هذا المثل و أنا أفكر بالشعارات الكبيرة التي نحملها ونثغو بها دوماً وأبداً ، ولم يعد يتعامل معها، في عصر التخصص ،سوى نحن العرب الهاربة ، وربّما بعض الشعوب التي تمتّ لنا بصلةٍ ما.
لم تتح لي الفرصة لزيارة دول العالم والاطلاع ميدانياً على أساليب الشعارات التي تطرحها الحركات والاعتصامات ، لكنّي ،حسب معلوماتي العامة ، أجزم بأن الشعارات هناك تحمل طابعاً مطلبيّاً واقعيّاً يمكن الانضواء تحته وتحقيقه .. وهذه حقيقة أدركها الغرب ، تحديداً بعد فشل الشعارات الكبيرة التي طرحتها النازية ، وتمّ تأكيد هذه الحقيقة بعد الفشل في تحقيق الشعارت الأكبر التي طرحتها الشيوعية السوفيتية.
بالمناسبة ، هذه ظاهرة عامة يمارسها الجميع بتواطؤ واضح من الجميع ، ولا ينتقد أحد منا الآخر، في هذا المجال، رغم أننا نقاتل في خنادق متعاكسة في معركة الحياة ، ورغم أننا نستخدم أكثر الأساليب بشاعة ولا أخلاقية ضدّ بعضنا ، ويخوّن كل واحد منا الآخر ، ويتهمه في وطنيته وانتمائه وشرفه العام والخاص .
الموالون منّا لأنظمة الحكم ، مهما كان نوعها ، ومن أقصى اليمين إلى أدنى الشمال ،يخرجون دوما بتظاهرت تأييد صاخبة وانفعالية ، وهم يصرخون : (بالروح والدم نفديك يا ….) ومكان النقاط هنا يقبع عادة اسم الزعيم العربي المناوب في تلك البلد، وفي حالات قليلة يقولون كلمة : (شهيد).
المشترك الوحيد بين جميع الموالين بلا استثناء ، هو أنك لن تجد أحداً منهم عندما يجدّ الجدّ ، وتتطلّب الأمور أن يفدوا الزعيم بأرواحهم ودمائهم ،ولا أن يأخذوا بثأر الشهيد المدافع عن قضيتهم ، حتى لو كان الشهيد أباً أو أخاً أو ابناً .
ولا شك أننا نتذكر ما حصل في العراق أولاً ، عندما دخلت دبابة أمريكية واحدة إلى وسط بغداد ، دون أن تجد من يتصدّى لها ويفدي رئيسه ونظامه ودولته ، وهذا ما تكرر في تونس وليبيا، رغم الصراخ الذي كانت تلهج به و فيه الحناجر والخناجر قبل ساعات من السقوط ، وهذا ما سوف يتكرّر في أي بلد عربي، بكل بساطة .
أمّا المعارضون للأنظمة ، فيرفعون شعارات كبرى ، غالباً ما لا تتناسب مع طبيعة المرحلة، ولا مع حاجات الجماهير ومطالبها اليومية ،وهذه حالة استمرت معنا منذ فترة مواجهة الهيمنة الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، حيث أوسعنا الدول الإمبرياليّة شتماً ، بينما أودت هي بالأبل، وحصلت على ما تريد وأكثر، وتركتنا نثغو بالشعارات مثل شعار : ( الفراغ في رأس أيزنهاور ) ، وشعار : ( فليسقط وعد بلفور ) و فيما بعد ، (فليسقط مشروع روجرز ) .. وغيرها من الشعارات التي جرحت حناجرنا ، ولم يسقط معها أو بعدها سوى نحن !!
وهذه الحالة ..حالة الشعارات الكبرى ،نمارسها في السياسة ، ولا نتمكن بها أو معها من العبور خلال بوابة هذا القرن الجديد .
نرفع شعار: من أجل بلد أخضر عام كذا، فيأتي العام، وإذا بالأراضي الصحراوية تزداد تصحراً، لا بل أن مساحتها تتوسع على حساب الأراضي الخضراء، لكننا لا ننسى أن نستمر في التفاخر بالشعار ذاته، دون أن ننجز شيئاً، لا بل دون أن نحافظ على المنجز السابق.
وهكذا نفعل في الخطط الثلاثية والخمسية والعشرية، ونغرق في بحور من الأغاني المفرطة بالفخر، وتنتهي الخطط، ونحن ما نزال نحمل حجارتنا الكبرى التي ننوء تحتها.
وتلولحي يا دالة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى