الإنتحار وعزوف الأردني عن العمل / خالد عياصرة

الإنتحار وعزوف الأردني عن العمل
في الاردن هناك مشاكل حقيقية لا يمكن انكارها أو القفز عنها.

مشاكل في بنية النظام الأردني ناتجة عن ظروف داخلية تتعلق بطبيعته, وظروف خارجية تتعلق بدوره في منطقة ملتهبة.

لكنها لا تشكل شيئا أمام مشاكل الشعب التي انتجها بذاته دون تدخل النظام.

أحدها هي ثقافة العيب و دورها في عزوف الشباب عن العمل.

مقالات ذات صلة

العمل في عقلية الشباب الأردني مرتبط في المكاتب الحكومية.

لكنه غير متصل بالعمل اليدوي مثلا أو الصناعي أو الزراعي, بمعنى أن المهندس لا يريد العمل إلا بتخصصه, وان لم يجد فإنه يحول نفسه مباشرة الى عاطل عن العمل – لا أقول متعطل- لكونه يخجل من العمل الخارج عن رغباته. هذه الثقافة تتلاشى في حال صار الأردني مغتربا.

قد تكون تجربتي في اميركا قصيرة عمريا لكنني سأتحدث عن الأردنيين الذي يعملون فيها.

ثمة نسبة عالية ممن يحملون الشهادات الجامعية, الأغلب يعمل في مهن تانف النفس عن العمل بها لو كان في عمان أو الزرقاء أو اربد.

من العادي جدا أن ترى أردني سائق تكسي وهو يحمل شهادة الهندسة, أو طباخ في مطعم أميركي وهو يحمل شهادة الصيدلة, أو في سوبر ماركت وهو يحمل شهادة في الكيمياء. دون الالتفات إلى المحددات كانت تمنعه من العمل في الاردن.

تجدر الاشارة الى ان الشباب الأردنيين الذين يعملون في اميركا مرتبطين بالمحيط العربي وتجارته هنا لا الأمريكي الذي يقوم فعليا على المهن قبل الوظائف الخدماتية.

نعم, آثارني خبر دعوة الانتحار التي دعا إليها عدد من المعطلين عن العمل, بحجة عدم مقدرتهم على تامينه.

آثارني لأنني لا اؤمن أن الانتحار وسيلة لحل المشكل, بل هو هروب من الواقع وفشل في إيجاد الوسائل بل وخلقها لتحل ما يعانيه الشاب المنتظر للعمل لا الباحث عنه.

في الحقيقة لا استطيع انكار أن شبابنا الأردني لم يدرب على العمل المهني, إضافة إلى شهادته الجامعية, بمعنى آخر إذا اردنا تعداد الذين يعملون في الزراعة بعد تخرجهم فان الأرقام ستكون متواضعة جدا, ولو بحثنا عن أعداد المهندسين الذين يعملون في مطاعم أو محطات الوقود أو الميكانيك أو غيرها لجاءت الأرقام مخجلة.

فسوق العمل الاردني ترك بسذاحة للمهنيين من الاشقاء الفلسطينين, و السوريين والمهني المصريين, اضافة الى البنغالي والباكستاني, نتيجة رفض الأردني امتهان هذه الاعمال, مع أنها مدرة للدخل.

في الاردن ترى الجميع لكنك لا ترى الأردني الذي يفضل البقاء محتفظا بدفىء جسده وفرشته على العمل في مثل هذه المهن.

في قريتي ساكب – شمال العاصمة عمان – ثمة صديق مصري اسمه حسنين, الرجل يمتلك مخبزا, و ثلاثة نتافات دجاج, ومطعما, في حين ثمة نسبة ليست قليلة من شبابنا جالس عن العمل.

حسنين يعتبر أحد الذين يتحكمون بأسعار الدجاج في قريتي. الأمر ليس بغريب في ظل النظرة السلبية لشبابنا, الذي يعتقد أن الشهادة الجامعية هي المفتاح الحقيقي للعمل.

الى جانب ذلك, غالبية الذين عملوا في الحكومة لم تتطور احوالهم, وظلوا كما هم, حتى بعد مضي عشرات السنوات على اشغالهم لوظائفهم. مقارنة مع زملائهم الذين توجهوا للعمل الحر, إذ تطورت اعمالهم ومعها نظرتهم إلى الحياة.

فعمل الحكومة الخدماتي مكتبي على الأغلب لا يمنح الموظف ثيمة مميزة تمكنه من التطوير لزيادة دخله, في حين يتيح العمل الحر الكثير من الأسباب بل و يخلقها بحيث يصير العامل هنا معلم مهني او تاجر بارع.

المؤسف حقا في دعوة الشباب المعطلين عن العمل هو قيام البعض بالترويج للفكرة, وكأنهم يشجعونهم على دعوتهم وينتظرونها, لعلها تتيح طريقا للتحرك ضد الحكومة , هؤلاء كمن يشعل النار في بيته ليجلس بعيدا ينظر لها حتى تأكله, دون أن يقدم حلا لاخمادها

نعم الدولة الأردنية مقصرة, لكن عندما تنظر إلى جبال المصائب التي فوق كاهلها تجلس وتفكر لتقول : الله يعينهم.

اخيرا: عزيزي الشاب الدولة الأردنية – التي اعارضها في أغلب ما أكتب – لا تمنعك من العمل في الزراعة والصناعة والتجارة, ثمة بدائل كثيرة جدا يمكن اللجوء إليها, أكثر جدوى من العمل الحكومي ومن الانتحار.

حتما ستحبط في البداية, لكن ستلقى لاحقا التشجيع من الناس والاحترام إن كسرت التابوهات العيبية المحرمة التي تحول دون ازاحة الأفكار السلبية من عقلك وتمنعك من مجاراة البليط المصري و القصير السوري الذي يحصل دخلا شهريا أكثر من غالبية موظفي الدولتنا الخدماتية.

البعض قد يقول: انظر الى تعينيات النواب وأبنائهم ؟ إلى هؤلاء اقول: لا تكن مثلهم, فهم لا يختلفون عن آبائهم, لا تتشبه بهم, كن رجلا عزيزا صادقا عصاميا لا يقبل أكل حقوق الناس بالباطل, كن أردنيا حقيقيا, ودعك من النواب الذكور وسمفونياتهم ومثلهم أعضاء الحكومة و اصنامها.

‫#‏خالدعياصرة‬

kayasrh@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. استدرجوك يا مسكين واقول لك ان من هو في عمر الثمانين عاما من شرق الاردن هم من عمل بمهن القصارة والبلاط والكحلة في بيروت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي وفي حيفا في الاربعينيات والثلاثينيات يعود هؤلاء ليزرعوا ارضهم الطرد الرسمي للمزارعين باحضار القمح الرخيص وتهجير الزراع من اتى بالعمالة المصرية لتضرب العمالة الاردنية وتجعلها تغادر مهنها ولا تورثها للابناء والان يجري استخدام العمالة السورية دون اي اعتبار للامن الاجتماعي الاردني باق وغير الاردني مغادر والذي يعمل في امريكا بالمهن التي قلت يستطسع ان يعملها في الاردن اذا وجد العدالة فالاردني يرفض ان يعمل بمهنة دنئية اذا راى من هو اقل منه يعتلي اكبر المناصب

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى