في الذكرى الخامسة لوفاة روكس العزيزي

عميد الأدب الأردني
المصادفة 21/12/2011
بقلم: فايز بن روكس زائد العزيزي

تصادف اليوم الذكرى الخامسة لوفاة فقيد الأدب والتراث الأردني – شيخ الأدباء – والذي كرّمه جلالة الملك الراحل الحسين بن طلال الباني طيب الله ثراه، فلقبه «بعميد الأدب الأردني» وقلّده بيده الكريمة الأوسمة والجوائز التقديرية.
كما أن جلالة الملك المعزز عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم، تابع المسيرة في تكريمه – أطال الله عمره واعز الأردن بحكمه وحكمته – فمنحه الجوائز التقديرية والأوسمة.
أما سمو الأمير الحسن بن طلال أطال الله عمره وأدام عزه شرفه بان زاره أكثر من مرة وتقابلا عدة مرات وتكررت الزيارة والمقابلات تكريماً لشيخوخته وللاطمئنان عليه.. فلم ينسه حتى آخر أيامه.
فروكس العزيزي الذي كرمه أبناء الهاشميين الأشاوس الأفذاذ أجلَّ التكريم، بذل كل جهده لتكريم الأردن و»الأرادنه» فدوّن تاريخ الأردن غير المدوّن منذ الثورة العربية الكبرى كما روّت تاريخ عشائره وأنسابهم، فسلّط الأضواء على التراث قبل أن يطويه النسيان. ولم يألُ جهداً في توثيق العادات والأوابد في موسوعته الكبرى والمعتمدة في جامعات الغرب الراقية.. قبل الشوق ويقي صافي الذهن حتى وافاه الأجل في عمان بتاريخ الحادي والعشرين من كانون الأول سنة ألفين وأربعة ميلادية.
بعد أن وثّق تاريخ الأردن (وبما لم يدونه سواه من المؤرخين) وبعد أن خدم اللغة العربية الشريفة ست وخمسين سنة. فجاوزت كتبه المطبوعة الستين كتاباً بما في ذلك كتبه المدرسية والمنهجية والتي كان أقرب ما يكون بها الى مناهج وزارة المعارف.
وقد شاركه في بعضها أساتذة من وزارة المعارف أمثال: الأستاذ محمد سليم الرشدان، والأستاذ خالد الساكت والشيخ إبراهيم القطان والأستاذ حسني فريز.
ومن المعروف عن روكس العزيزي مناصرته لحقوق المرأة وحقوق الإنسان وغيرها ولم يطلب بعلمه مجداً شخصياً ولا مالاً.. وبقيت اهتماماته بالتراث والثقافة قوية حتى آخر أيامه، فترك بكتاباته ذاكرة عزّ نظيرها.
ويجدر بنا في هذا المقام أن ننوه بأنه كان يمقت التزمت والتعصب ومن أقواله في ذلك:
«ليس لله أقرباء والله القوي القدير ليس بحاجة لمن يخاف عليه من بني البشر وكان يستشهد بأقوال من الحديث الشريف وبسورٍ من القرآن الكريم وكان لا يتردد في أن يقول لمن يتراءى بالتعبد والعفّه وهو أبعد ما يكون عنها .. «أذكر الله» وتذكرَّ «أن أكرمكم عند الله أتقاكم»، وكان يُهدِّيء سورات الغضب لمن حوله بقوله: «إن الله مع الصابرين إذا صبروا».
وفي دراسته للتراث الأردني دوّن أحداثاً مرت بها البلاد لم يدونها سواه منذ فجر الثورة العربية الكبرى، وفي العصر البائد للدولة العثمانية، فقد قيض الله للعروبة من أنقذها يوم أعلن قائد الثورة العربية الكبرى الحسين بن علي طيب الله ثراه، ثورته المباركة.. فانبلج فجر الحرية على أيدي كوكبة من شرفاء آل هاشم وهم السبّاقون لرفع راية الحرية والعدالة والمساواة، فسجّلوا التاريخ الحيّ للعروبة الأصيلة.
وقد وجد روكس العزيزي أجمل التكريم وأجلَّ التقدير من أبناء الأردن الأوفياء، ومن قبل الدوائر الحكومية والثقافية فيه، ولوزارة الثقافة الجليلة ما يثلج الصدور فنظمت في تكريمه العديد من الندوات كما تناول الأدباء والباحثون نشاطاته فأصدروا الكتب والأبحاث ونظم الشعراء في تكريمه القصائد الرائعة، كما أن طلاّب الماجستير والدكتوراه اختاروا لدراساتهم ورسالاتهم الجامعية «أدبه وحياته» موضوعاً، فكانوا يترددون عليه فلم يبخل بعلمه على أحد.. فها هم محبوه يصدرون الكتب في دراساتهم الشاملة لحياته وأعماله، أمثال:
الدكتور عبدالله رشيد، والراهبة جلوريا إبراهيم الربضي فأتحفا المكتبة الأردنية بمؤلفاتهم الرائعة والنفيسة بعد عدة لقاءات معه.
ولعلنا لا نتمكن في هذه العجالة من تغطية ولو القليل من نتاجه الفكري الغزير والذي استغرق ما ينوف على النصف قرن، فما ذُكر لا يتجاوز أن يكون مجرد غيض من فيض علمه وأدبه.
وفي هذه المناسبة يسرني أن أذكُر وأُذكّر بمجهود الأخ والصديق أ.د. أسامة يوسف شهاب المستمر والمتجدد، فبعد اخراجه لموسوعته السابقة حول روكس وجهوده في توثيق أعلام الأدب والفكر، فهو يعكف حالياً على تحرير وتحقيق رسائل العزيزي الأدبية ونتمنى على وزارة الثقافة دعمه في مشروعه القادم «توثيق ما لم يدوّن من تاريخ الأردن»، وكذلك أجزاء من السيرة الذاتية «رحلة حياة»، و»أيام عشناها»، فهذه من الوثائق التي خص بها المرحوم روكس «الدكتور اسامة» وقبل مغادرته هذه الدنيا الفانية، سيما وان لوزارة الثقافة الفضل باخراج «قاموس العادات واللهجات والاوابد الأردنية» وطباعته في ثلاثة اجزاء من الحجم الكبير وبأغلفة مقواة غاية في الروعة.. وكان ذلك تكريماً لروكس العزيزي في يوبيله المئوي عام (1904) الف وتسعماية واربعة، فوزعته على الحضور باجزائه الثلاثة بالمجان بعد الاحتفال.. فما اعظمه من تكريم..!!
ولقد علمت من الدكتور الفاضل اسامة شهاب بأن المجلد الثالث سيكون بعنوان «من اوراق روكس العزيزي» .. بالادب الحديث وهو من ضمن مشروعه الكبير.
ومما تجدر الاشارة اليه ان مديرية ثقافة مادبا نظمت احتفالين في تكريم العلاّمة ابن مادبا البار «روكس» في عام الفين وأحد عشر (2011) كان احدها في مركز الحسين الثقافي لامانة عمان الكبرى والثاني في جمعية الشابات المسيحية بمأدبا. ولا عجب فقد كان روكس العزيزي محبوباً وله كل التقدير وجُلّ الاحترام محلياً وعربياً ودولياً..
وبمناسبة الذكرى الخامسة لوفاته والتي تصادف بالحادي والعشرين من شهر كانون الاول لسنة 2004 الفين واربعة ميلادية، اقدم هذه الابيات:

حملت وزر الهوى على المدى
ومع الابداع كان الموعدا

فأوابد اكسبتها القاً
وسوالف كسوتها مجدا
حارس للضاد مشيد به

تهدي الى الفصحى وتمدّ يدا
ولغير الضاد لم تدّعي اباً
وللتراث هوى فالسادن المؤيّدا
فديمة العطاء لم تغلّ يداً
فمعلماً صادقاً ومعللا ومرشدا
وللفصحى اهديت اجمل وردة
ساطعة الالوان فوّاحة الشذى
فان تُدلي في يمّها باحثاً
محارها يهدي لك السؤددا
وتزينُ بعقد الغار تاريخاً
فمن الاهواء كنت مجرداً
وبسهلها يجري السلسبيلُ
على يديك .. رافداً مجدداً
واذا الاعاجم بالقواعد الحنوا
اقمت لنا بالدليل .. التفردا
محبّوك يا روكس مع الذكرى
يهدوك من العسل الاجودا
نسور بالآفاق مرتعهم
وفي الذكرى ورود وشذى
فللأجواد نهدي سلامنا
وعلى الدهر لهم نحملُ الودّا

فايز بن روكس العزيزي – عمان في 19/12/2011

أ.ر

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى