” بلال ” قصة بطل وقصة إبداع / سهى عبد الهادي

” بلال ” قصة بطل وقصة إبداع

قصة الصحابي البطل بلال تعرض من خلال فيلم للرسوم المتحركة تستهدف الصغار والكبار معا ، الفيلم يستهدف العالم اجمع ولا يقتصر على العالمين العربي والإسلامي مما يضاعف من أهميته ، ويضعنا على المحك فيما يتعلق بواجبنا كمسلمين تجاه ديننا الذي كانت وما زالت غايته هداية البشرية والإنسانية في كافة أرجاء الأرض

لم اشاهد الفيلم بعد ولا ادعي فهمي بصناعة الأفلام ، لكني احببت الفكرة واستطيع أن أرى شيئا جميلا ومحفزا خلفها ، واسعدتني ريادة وأصالة التفكير والمبادرة لمشاركة شئ جديد يخرج عن نطاق العمل للمصلحة الشخصية وحدها ، ليغدو عملا يستوحي نجاحه وطموحه الخاص من حمل رسالة أمة بأكملها وهذا من صميم واجبنا كمستخلفين في هذه الدنيا

تابعت ردود فعل الناس على الفيلم ومن الطبيعي ان تختلف الاراء ما بين مؤيد ومعارض ، ولكل نقاطه التي اتكأ عليها في تأييده او اعتراضه ، وافهم ايضا ان لكل صناعة ابعادها وقيودها الخاصة التي قد لا يفهمها الا من يعمل بها ، لذلك لم اركز كثيرا على انقسام الاراء حول الفيلم ليس تقليلا من شأنها ، لكن ايمانا بإيجابية فكرة الفيلم وتقديرا للجهد المبذول من فريق العمل رغم اي سلبيات قد تشوبه ، فأحيانا نحتاج ان نثمن العمل الجيد ككل ومن ثم يأتي الإلتفات الى التفاصيل لإصلاحها وأخذ العبر منها دون تثبيط او إحباط للمحاولة الإبداعية بحد ذاتها

مقالات ذات صلة

في لقاء مع منتج ومخرج فيلم ” بلال ” وهو المخرج السعودي ايمن جمال ، استوقفتني ثلاث ملاحظات قد تكون بسيطة للوهلة الأولى لكن عند التعمق فيها تجد ورائها دلالات عظيمة نحن بحاجة لها الآن اكثر من اي وقت آخر ، وهنا لا املك الا ان ارفع القبعة احتراما لهذا المخرج الذي استثمر مجال تخصصه وعمله ليحيي قيم وتاريخ مشرف تناسيناه او نسيناه …
ولبرهه يجعلك اللقاء تفكر متأملا … ماذا لو ان كل فرد فكر بنفس طريقة هذا الشاب وعمل على تطوير طموحه الشخصي دون ان ينسى دوره المهم في إعلاء حضارة وتاريخ تفتخر الإنسانية بأجمعها في الإنتماء اليها … أيبقى حالنا كما هو الآن ؟

الملاحظة الأولى : عندما سئل المخرج المبدع لماذا فكر وما الذي دفعه لتحويل قصة بلال الى فيلم بإستخدام تقنية ” الانيميشين ” ( وهي تقنية لم تعد مقتصرة على افلام الأطفال بل اصبحت تستخدم في افلام تخص الكبار ايضا لما لها من ابعاد متنوعة ) ، كانت الإجابه بحد ذاتها ملهمة ومحفزة ، فقد قال بان الفكرة اقتحمت رأسه عندما كان ابنه الصغير يرتدي زي ( سوبرمان ) وحين سأله لماذا ترتدي هذا الزي ؟ أجابه لكي اصبح بطلا مثله ، فسكت المخرج الأب ولم ينهى او يمنع ابنه عن ما يقوم به ولم يطلب منه خلع الزي ، وأضاف معللا بأنه لم يستطع القيام بذلك لإنه لا يملك بديل يقدمه لإبنه بدلا من شخصية البطل ( سوبرمان ) وهذه قاعدة تربوية هامة تحسب ايضا للمخرج الأب ، ومن هنا نشأت وانبثقت فكرة البحث عن ابطال حقيقيين في تاريخنا وتقديمهم لإطفالنا بالشكل الذي يجذبهم ويعزز فكرة الإقتداء بهم وتقمص بطولاتهم …

وللحق فإن هذا التوجه الفكري الراقي رائد واصيل ويستحق كل تقدير

الملاحظة الثانية : وهي عبارة عن معلومة ذكرها المخرج في سياق الحديث عن التحضيرات التي سبقت إخراج وإنتاج الفيلم ، حيث ذكر بأنه اثناء التحضير وفي استبيان لعينة من الأطفال وعددها مائتا طفل تم سؤالهم ليعددوا عشرة اسماء من شخصيات ديزني قاموا جميعا بذكرها بنجاح وبسهولة بالغة ، بينما عندما طلب منهم ذكر عشر شخصيات بطولية حقيقية من تاريخنا لم يتمكن سوى ثلاثة وعشرون طفل من الإجابة … !!

وهذا طبعا سببه تقصيرنا نحن الكبار ولا يلام الأطفال ابدا عليه ، مما يستدعي منا التركيز على أهمية تشجيع أي محاولة ابداعية هادفة وعدم احباطها لعدم كمالها او لإختلافنا معها

الملاحظة الثالثة : وهي تخص عدد الساعات التي يحتاجها العمل القائم على تقنية
” الانيميشين ” وما يتبع ذلك من جهد كثيف لفريق العمل ، اذ ذكر المخرج بأن أي فيلم من بطولة فنانين عالميين قد يستغرق العمل به من اربع الى ست اسابيع في مواقع التصوير ، بينما الفيلم بتقنية ” الانيميشين ” يستغرق العمل به حوالي ثلاث سنوات ما بين البحث وتجميع المعلومات ثم رسم الصور على الورق ومن ثم تحويلها الى لقطات وصور كرتونية مركبة ذات تتابع وسرعة معينة على شاشة الحاسوب …الخ

وعلى الصعيد المادي فقدكانت تكلفة الفيلم ثلاثون مليون دولار وهي اقل تكلفة لفيلم بتقنية” الانيميشن ” مقارنة بأفلام عالمية أخرى استخدمت نفس التقنية ، والتي قام بدفعها مستثمرون وأصحاب مال آمنوا بالفكرة وأهميتها بالإضافة الى شركة انتاج امريكية إعتقدت وأعجبت بالقيم الإنسانية التي يقدمها الفيلم ، وعندما سئل عن جودة الصور في الفيلم ولماذا لم يتم الإستعانة بخبراء من ديزني ممن لهم باع طويل في صناعة الرسوم المتحركة لتحقيق جودة افضل للصور ، كان جوابه ملهما ايضا بأن فريق العمل اراد أن يبدأ ويؤسس لهذه الصناعة في العالم العربي ولا يريد ان يكتفي بإستيرادها فقط ، ناهيك عن التكلفة المرتفعة لذلك …

نعم لقد آن الأوان لصحوة فكرية تبتكر وتطور ما يسد احتياجاتنا ، لنصبح على الأقل أحرار في إختياراتنا ، فبقاؤنا مستهلكين يعني ان نبقى أسرى لما يقدم لنا وهذه من سنن الحياة التي لا يشكك بها شخص عاقل

اخيرا …
تحية لكل انسان يفكر ويبادر ولا يتردد ان ينير الدرب لنفسه وللآخرين ، فأن تكون قادرا على ان توقد شمعة صغيرة أفضل من أن تلعن الظلام ألف مرة …

سهى عبد الهادي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. بارك الله لكل من اضاء شمعة من نور مشكاة الاسلام ليستهدي بها القاد مين مع المستقبل

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى