الكورونا.. هل تُعيد المكانة الاساس للأسرة والدولة الوطنية..؟

الكورونا.. هل تُعيد المكانة الاساس للأسرة والدولة الوطنية..؟
ا.د حسين محادين

(1)
بُعيد تسعينات القرن الماضي، نضجت العولمة الاقتصادية عمليا، عبر تسيّدها وتعميمها دوليا خصوصا بعد الذوبان النسبي للحدود التقليدية بين دول العالم، متمثلاً ذلك، بحرية تدفق الأفكار والسِلع بسهولة بين دول المركز الاوروبي الغربي كرأس حربة للعولمة المهيمنة ، وبين دول العالم المُتلقية كأسواق جديدة للسلع، والأفكار التي تبثها وتصدرها العولمة الاقتصادية، التي تبعتها لاحقا العولمات الاجتماعية والثقافية، القائمة بدورها على توفير الحرية المطلقة لحقوق وجسد الإنسان، التي دعُمت بالشرعية الدولية ومنظماتها المختلفة، حيث أصبحت قرارات واتفاقيات الشرعية الدولية، ملزمة وضاغطة على الدول الوطنية، الأمر الذي أضعف السيادة التقليدية لهذه الدول لصالح كل ما هو عولمي؛ فكراً ، اتفاقيات دولية، شركات عابرة للجنسيات واللغات، سلوكيات وتفاعلات تكنولوجية كونية، من شأنها جميعا، تفكيك مؤسستان تنظيميتان كانتا تحدا من فرص وتبطىء سرعة اجتاح العولمة للعالم بحكم قوتهما، وهما “الدولة الوطنية والاسرة معا” لاسيما في دول العالم النامي، وبالتالي تم استهدافهما من قِبل تأثيرات وخطط واهداف العولمة واذرعها ؛ خصوصا توظيف العولمات إلى أهم اذرعها الا وهي التكنولوجيا،وأدوات التواصل الاجتماعي المختلفة، سعيا منها نحو، تدعيم ونشر أفكار وسطوة العولمات العديدة، خصوصا عبر توظيف التكنولوجيا لثقافة الصورة والفيديوهات؛ كنماذج بصرية أسِرّة للشباب من الجنسين كشريحة أكبر في المجتمعات النامية ، وكثقافة غربية مرحب فيها في دولنا ، ذات الضوابط القوية للأفراد الجماعات، بحكم خصوصيتها الثقافية وقيم الجماعة فيها. وهذه المنظومة القيمية الملزمة للاجيال، هي التي تحد كثيرا من الحريات الفردية والجنسية بين ابناءها، وبالتالي نجحت اطروحات العولمة ومن خلال وسائط التكنولوجيا ونموذجها الأكثر تأثيرا لثقافة الصورة ، وما توفره من حريات في مشاهدة وسهولة لممارسة الجنس الإلكتروني، إذ نجحت العولمة بادواتها الطاغية في إلزام الدول الوطنية ايضا، بالتوقيع على العديد من الاتفاقيات التي تجعلها تتخلى عن سيادتها التاريخية ، من خلال خصخصة القطاع العام، واطلاق حريات السوق الجشعة دون رقابة ،والسماح لمؤسسات المجتمع المدني المدعومة غربيا في ممارسة أدوارها التغيرية في منظومة القيم الاجتماعية والثقافية معا، فهذه المؤسسات المدنية ،اذرع تاثيرية مسارعة وداعمة لاطروحات في توسيع الحريات الفردية والتشاركية العولمية في دولنا النامية ، بعد أن تم ربط التوقيع على هذه الاتفاقيات والامتثال لمضامينها، بالمساعدات التي تقدمها دول المركز/ العولمة للبلدان الموقعة عليها.
ان هذ الواقع هو الذي أُضعفت معه ومن خلاله أهمية السيادة التاريخية للدول والاسر في آن الى حد لافت جدا تمثل في ما يلي :-
أ- تقديم التزامها كدولة نامية، وضرورة تنفيذها لتطبيق مواد هذه الاتفاقيات المعولمة وتقديمها على تطبيق القوانين الوطنية لتلك الدول، مما أضعف سيادة وحرية تصرف هذه الدول في ومع مواردها ومواطنيها في آن.
ب- اضعاف الروابط الاجتماعية بين افراد الأسرة، وتحويل قيمها التكافلية والجماعية التاريخية ،إلى قيم فردية مطلقة، بعد أن ظهر وساد وانتشر مفهوم “النوع الاجتماعي Gender”.
وهذا الواقع هو الذي أضعف وهز مكانة الزواج الشرعي/الديني، كمؤسسة تنظيمية تقليدية مستهدفة كمثال، في عالم غدا ذا قرن وفكر ودولار واحد؛ ترابطا مع تعميم أفكار حرية استخدام واستثمار الجسد البشري وجعله كواحد من ادوات الانتاج، حيث أصبح محمي دوليا بحكم الاتفاقيات الدولية حرية ” المثليين والعابرين جنسيا” مثلا.
(2)
بعد ظهور جائحة الكورنا هذه الأيام الصعبة على البشرية جمعاء، وانشغال كل دولة وطنية سواء ضمن الاتحاد الأوروبي كمصدر للعولمة الفايروس معا ، أو الدول العربية والاسلامية النامية كمثال”جامعة الدول العربية” وبالتالي الدول الوطنية ممثلة ببقايا القطاع العام الذي لم يُخصص بالكامل فيها للآن ، وانشغال هذه الدول الوطنية المؤمنة/المتدينة نوعا ما، انشغالها في الدفاع عن وجودها، وبمعالجة تحديات وخطورة هذا الفايروس الفتاك بالبشرية؛ وتخلي محور العولمة الغربية عن واسواقها في هذه الدول، أصبح لزاما علينا كدول نامية النظر في إعادة الاعتبار للأسرة كتنظيم اساس ، ولمفهوم سيادة الدولة تنمية وتكافل كي نحترم وعينا وانسانيتا كبشر..فهل نحن فاعلون..سؤال مفتوح لمرحلة ما بعد انتهاء خطورة الكورنا أن بقينا.
*عميد كلية العلوم الاجتماعية-جامعة مؤتة.
* عضو مجلس محافظة الكرك”اللامركزية “.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى