“للفيسبوكيين … أنواع” / م.أنس معابرة

“للفيسبوكيين … أنواع”
هو التنوع الذي يثري حياتنا بالتباينات المختلفة، فللفواكه الأشكال والألوان المختلفة التي تتباين في فؤائدها ومذاقها ومضارها، وكذلك الخضروات والأطعمة وأنواع العسل المتعددة حتى الحيوانات تتباين في مميزاتها وقدرتها على التكيف، وكذلك في مزاجها.

أما الإنسان فهو ذلك الكائن الذي يتسم بالضبابية والغموض، تراه في حالات مختلفة خلال أوقات متقاربة، فقد يثور غضبه على سبب قد يضحك آخر، وقد يسيل بعض الدمعات على مشهد درامي بسيط لا يرى فيه غيره ذلك التأثير.

وصحيح أن البيئة التي ينشأ فيها هذا المخلوق لها الدور الكبير في صناعة مزاجه وبلورة أفكاره، والتي سيبنى عليها لاحقاً الكثير من القرارات والتصرفات التي ستحكم حياته بقية عمره، ومن الممكن أن يصبح هذا الإنسان زئبقياً لزجاً قادراً على التغير بحسب البيئة المحيطة مقابل التخلي عن المبادئ التي كان يحتفظ بها داخله.

وبصفة “فيس بوك” عالم جديد له قوانينه وتعاليمه، ونظام كبير يرتاده الكثير من البشر على إختلاف خلفياتهم الثقافية وعاداتهم الإجتماعية وإنتماءاتهم السياسية وروحانياتهم الدينية، كان لا بد من وجود ذلك التباين الكبير بينهم، ولكن من الممكن تصنيفهم من حيث الإجتماعيات الى عدة أصناف:

مقالات ذات صلة

هنالك “الإجتماعي المميز”؛ وهو إنسان إجتماعي بالفطرة، يغتنم كافة المناسبات والظروف للتعرف الى من هم حوله، شخصية محبة لتبادل أطراف الحديث مع الزملاء في العمل والجيران والأقارب وحتى عمال النظافة الذين يعملون في الحي، وتحظى تلك الفئة بالكثير من الأصدقاء على صفحات التواصل وتعتبر من الشخصيات النشطة والفعالة والحيوية، وتحرص كذلك على مشاركة الآخرين في منشوراتهم وتهنئة المسرورين ومواساة المكلومين.

وهنالك “محبي الشهرة”؛ وهي من الشخصيات التي تحب أن تظهر كثيراً وربما لأسباب تتعلق في المستقبل، فربما يخطط لأن يصبح شخصية عامة أو أن يخوض إنتخابات معينة، أو غير ذلك، فكل همه هو نشر أكبر قدر من صوره الشخصية ولحظات تأمله وعطاءه، دون أن يشارك الآخرين، فتحس بأن تدفق المعلومات له جانب واحد، وهي شخصية تحب أن ترسل ولا تستقبل.

وتجد أيضاً “الشخصية المرحة”؛ وهي الفئة الأكثر فاعلية عبر صفحات التواصل، كل هدفها هو إضحاك الآخرين ورسم البسمة على قلوبهم، فتراهم يتسابقوم لإنشاء الصفحات المضحكة والتي تحمل أسماءً فكاهية وتنشر الصور الكاريكاترية ذات الطابع المضحك والتي تحمل أيضاً رسائل سخرية من فئة معينة، كخسارة فريقٍ لمبارة، أو لقرار سياسي مفاجئ، أو لتصرف مضحك من قبل سياسي مشهور أو غير ذلك، مع العلم بأنهم صيادون ماهرون لأخطاء الآخرين والتي تعبر وجبة دسمة تشغلهم ساعات وربما أياماً.

وتساهم “الشخصية النكدية” بدورٍ لا بأس به في صفحات التوصل، فعلى الرغم من المراس الصعب الذي يتمتع به هؤلاء؛ إلا أنهم يتواجدون على تلك الصفحات بأساليبهم المتشائمة ونظراتهم السلبية لكل ما حولهم، ويحاولون نشر أفكارهم التي تدعوا الى الإحباط والتراجع والخذلان بين رواد تلك الصفحات، فتراهم يفسرون كل ما يحدث على أنه بداية لكارثة، ويتخوفون من تبعات الفرح، حتى أنهم يتجنبون الضحك خوفاً من البكاء الذي يتبعه حسب إعتقادهم.

وتبقى “الشخصية المستقلة” التي تحاول إبراز إستقلالها من خلال الهيبة المصطنعة عبر صفحات التواصل، فهي شحيحة المشاركة للآخرين، وتحاول الظهور بمظهر جديّ يشبه الى حد كبير الشخصيات الرسمية، ويتجنبون الخوض في النقاشات والحوارات نظراً الى ثقافتهم القليلة نسبياً.

أما الشخصية الأبرز عبر صفحات التواصل فهي “الشخصية المريضة”، والتي أعتبرها مميزة لأنها تحمل بداخلها الكثير من التناقضات، فتراها قليلة الخبرة في تلك الصفحات إلا أنها خاضت التجربة بدافع الغيرة ومشابهة الآخرين ممن يعتبرون من الناشطين عبر الصفحات ذاتها، ومن جهة أخرى فهي نادرة الظهور عبر وسائل التواصل ولا تشارك الآخرين نهائياً؛ وفي نفس الوقت تعاتب الآخرين على تقصيرهم تجاه المنشور الوحيد الذي أضافته خلال العام المنصرم.

وهنالك “الشخصية المستغلة”، وهي الشخصية التي تستخدم صفحات التواصل من أجل تحقيق هدف ما، وفي الكثير من الأحيان يكون هذا الهدف شخصياً، فإذا لم ينل الترقية التي يحلم بها صب لجام غضبه على المسؤولين ودعا الجميع الى ثورة في وجه المدراء، وإذا أصابه زكام بسيط تأهب على صفحات التواصل لحشد حملة من أجل العلاج المجاني، وإذا تخرج ولده من الجامعة تأكد بأنه سقود حملة ضخمة من أجل دفع الحكومة الى إيجاد فرص العمل لحديثي التخرج، وما أن يجلس ولده على مكتبه حتى تتلاشى تلك النداءات مع العلم بأن الآلاف ما زالوا على مقاعد البطالة ولكن الأمر لا يعنيه الآن.

ربما يكون هنالك العديد من الأنواع للأشخاص عبر شبكات التواصل، ولكن يبقى أن نذكر أن هذا الإختلاف الذي يسبب العديد من المشكلات الناتجة من تباين وجهات النظر وإختلاف زاوية المشاهدة، إلا أنه هو ذاته الأختلاف الذي يضع صفحات التواصل الإجتماعي الى جانب العديد من الأنظمة الكونية التي تتميز بالتباين والتنوع.

ويبقى لك عزيزي القارئ أن تكون عبر صفحات التواصل كالسائر في حقل للفاكهة، إلتقط كل ما هو ناضج ومفيد وشهي، لا بأس أحياناً ببعض المر من الأصناف إذا كانت تحمل الفائدة الكبيرة، ولا تنسى أن تترك في الحقل أئراً طيباً ينم عن تلك المشاعر النبيلة في صدرك، وعن تربيتك الحسنة وأخلاقك الحميدة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى