شهداؤنا أبناء الأحلام الصغيرة / كامل نصيرات

شهداؤنا أبناء الأحلام الصغيرة
قبل قليلٍ كانوا يجلسون هنا من غير قلقٍ إلاّ على الوطن و على ما يوجع الوطنَ ..كانت ملابسهم تتغبّر بالتراب وهم يقبضون على كلّ شاردةٍ وواردة هناك ..وحين كانوا يأوون إلى إفطارهم الرمضاني ؛ كانت نصف عينٍ على اللقمة و عين ونصف على ما يحيط بالمكان ..!
اتساءل : ما شعور أية أمٍّ أو أختٍ أو زوجةٍ أو حبيبة ؛ حيث يذهبُ فتاها بلباس يليق بالأبطال و تكحِّل عينها برؤيته وهو يتهندم أمامها فارساً مهيوباً ؛ لديه من الشموخ ما يملأ الدنيا و يفيض ..وفي لحظة غادرة ؛ يعود إليها في كفنه العسكري ..؟!
الصورة قبل الأخيرة و الحوار قبل الأخير على باب البيت: أنا طالع يُمّا ..أنا رايح يا أختي..بدّك شي ..فتركض إليه من المطبخ أو غرفة أخرى وقلبها يشدّها لرؤيته وهو يتزيّن للوطن ولا يحلم إلا بتحقيق أحلامه الصغيرة إلى جانب حماية الوطن ..فتردّ عليه و قلبها ينشلع على صورته الزاهية : حاول ما تطوّل هالمرّة ..وخبرني قبل ما تروّح عشان أعملك الطبخة اللي يحبها قلبك ..يتبادلان النظرات ..يبتسمان وهو يمسك بمقبض الباب ليغادر ..ويقول وهو ينظر نظرته الأخيرة لكل تفاصيل وجهها : ادعيلي ..ويغلق الباب وراءه وكلمات السيدة خلفه تلهج بالدعاء: الله يحميك و يحرسك إنت وكل إخوانك ..!
الصورة الأخيرة و الحوار الأخير : جسد البطل مسجّى في تابوت ..بهندامه العسكري الفاخر ..و دماؤه تغطّيه من أخمص قدميه إلى أطول شعراتٍ في رأسه ..والنسوة المحروقات لوعةً و شهيقاً يتحاوطن البطل و يكون حوارٌ من طرف واحد : ليش رحت و تركتنا ؟ ليش ما خبرتني إنك جاي..؟ مش وعدتني تحاكيني قبل ما تيجي ..؟ لمين تركتني ؟ ……………….؟ واسئلة كثيرة.
هذا هو قدر الأبطال ؛ أبناء الأحلام الصغيرة ..الذين يحلمون بحلمين فقط : حلم أن يبقى الوطن سالماً و الحلم الثاني أن يعيش في الوطن مستوراً لآخر الشهر ..! قليلون من يختارون أن يضعوا أرواحهم على أكفّهم على مدار اللحظة ليفتدوا الوطن في لحظة الاشتباك ..و القليلون هؤلاء هم أبناء الجيش و الأمن و المخابرات و الدفاع المدني والدرك ..لهم أمّهات و أخوات و زوجات و حبيبات و أولاد ..ولهم مثل ما لكم ..ولكنهم لا يعيشون بينهم مثلما تعيشون أنتم ..وإن كنتم تقلقون على ارتفاع حرارة أحد أبنائكم مرة في السنة ..فإنهم يعيشون على قلق دائم من ارتفاع نسبة الارهاب الذي يعيش بيننا و يحيط بنا ..إنهم يأكلون و يدهم على الزناد ..يشترون من السوق ويدهم على الزناد ..يزورون أرحامهم و يدهم على الزناد ..بل إنهم ينامون في فراشهم ويدهم على الزناد..!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى