المصالحة داخل إخوان الأردن هل هي ممكنة ؟ / محمد العودات

المصالحة داخل إخوان الأردن
هل هي ممكنة ؟

استطاع إخوان الجزائر الذين تعرضوا لعدة انقسامات قبل إحدى عشر عام أن تلتئم معظم جروحهم ودشنوا في صيف هذا العام وحدتهم من جديد ، هل يمكن تكرار تجربة المصالحة لدى إخوان الأردن ؟وهل الظروف حقا تسمح بتلك المصالحة .
(1) انقسامات الإخوان في الاردن

بدأت انقسامات الإخوان الفكرية تطل برأسها بشكل علني منذ عقود إلا إن انفجار تلك الخلافات ظهر للإعلام بشكل قوي في خريف عام 2013 عندما تم تقديم ثلاثة من قيادات الإخوان ممن أسسوا مبادرة زمزم وصدر بحقهم قرار بالفصل ، كرة ثلج بدأت تتدحرج بعد ذلك فعقد مؤتمر الإصلاح الأول والثاني والذي لاقى استنكار ومعارضة من قبل القيادة السابقة لتنفجر الأزمة في مارس من عام 2015 عندما أقدم المراقب العام السابق المحامي عبد المجيد ذنيبات على ترخيص جماعة باسم جمعية جماعة الإخوان المسلمين / الأردن واستحوذ على اسم الجماعة وأملاكها ، فوض بعدها مجلس شورى جماعة الإخوان الأم المكتب التنفيذي بفصل كل من شارك بتأسيس جمعية جماعة الإخوان المسلمين وفصل كل من يلتحق بالجمعية وصدرت بعد ذلك دفعات متتالية من قرارات المكتب التنفيذي بفصل الإخوان وعلى كل المستويات والطبقات التنظيمية ، لتزداد الأمور تعقيد باستقالة 400 شخصية سياسية من حزب الجبهة الذراع السياسي للجماعة الأم لتعلن بعدها مبادرة زمزم عن تحويل مبادرتها إلى حزب وتعلن قيادات سابقة ممن يطلق عليهم تيار الحكماء نيتهم لتأسيس حزب جديد ومعظمهم كان من قيادات الصف الأول سابقا .

(2) إفرازات الانقسام

مقالات ذات صلة

ترتب على هذه الانقسامات مجموعة من الإفرازات التي ألحقت الضرر الكبير في جماعة الإخوان الأم وكل ما انبثق عنها، خسرت الجماعة الأم الصفة القانونية فأصبحت تنظيم غير مشروع في نظر النظام الأردني ويرفض التعامل معها سياسيا ، كما خسرت الجماعة الأم أملاكها لصالح جمعية جماعة الإخوان التي انتقلت لها الأملاك بناء على فتوى قانونية من ديوان الرأي والتشريع والذي اعتبر الجمعية هي الخلف القانوني للجماعة الأم وان الجماعة الأم ليس لها أي صفة اعتبارية ، انقسامات جعلت الإخوان في الأردن خمسة أجسام تنظيمية (جماعة الإخوان الأم ، جمعية جماعة الإخوان المرخصة، وحزب جبهة العمل الإسلامي ، وحزب المؤتمر الوطني (زمزم ، وحزب الشراكة والإنقاذ تحت التأسيس ) .

حاولت الجماعة الأم عبر قيادتها القديمة والجديدة إعادة قواعد العلاقة مع النظام الأردني إلى ما كانت عليه قبل الربيع العربي عبر محاولة الاتصال المباشر مع رأس النظام والأجهزة الأمنية السيادية إلا أن الطريق كان أمامها مسدود، فأعادت المحاولة من خلال إثبات الذات على الأرض بالانخراط بالعملية السياسية والمشاركة بالبرلمان وحصولها على خمسة عشر مقعد لكن الانتخابات أثبتت أنها فقدت خمسة وثلاثون بالمائة من كتلتها التصويتية نتيجة لتلك الانشقاقات فأعادت المحاولة مرة أخرى عبر الانتخابات البلدية واللامركزية فأعادت لنفسها جزء من الشعبية التي فقدتها في البرلمان وحصدت رئاسة بلدية الزرقاء ثالث مدينة بعد العاصمة عمان واربد ،مدينة اربد التي خسرها الإخوان بشكل كبير ولم يحصدوا من مجلسها البلدي شيء .

حاولت جمعية جماعة الإخوان أن تستقطب الإخوان من الجماعة الأم للالتحاق بركبها فحققت نتائج في مدن الأطراف فقط لكنها تبقى نتائج بسيطة فالأرقام تشير إلى أن الجمعية لم تستقطب أكثر من خمسة في المائة من أخوان الجماعة الأم .

الواقع يقول بان الجماعة الأم تمتلك خزان بشري به ما يقارب خمسة آلاف منظم لكنها تفتقد للشرعية القانونية وأصبحت في نظر النظام خارج اللعبة السياسية وكل يوم يقوم النظام بتحجيم نفوذها ، حصار انعكس على الماكنة الإخوانية الداخلية فأصاب معظم مفاصلها بالشلل ، في حين أن جمعية جماعة الإخوان تمتلك الشرعية القانونية والسياسية وخطها مفتوح مع النظام لكنها لا تمتلك الشرعية التنظيمية الداخلية فلم يلتحق بها إلا عدد لا يتجاوز ثلاثمائة فرد من الإخوان ومعظمهم ممن كان في الإخوان في قيادات الصف الأول والثاني والثالث كما أثبتت الانتخابات البرلمانية والبلدية أن الجمعية عاجزة عن الوصول عبر الانتخابات فهي تفتقر للشرعية الشعبية وبذلك أصبح كل جزء من الإخوان المنقسمين يملك عنصر من عناصر القوة لا يملكها الطرف الأخر لكنه بنفس الوقت يبقى عنصر غير مؤثر بمعزل عما يملكه الطرف الأخر .

(3) تباينات فكرية تتقلص
بدأت التباينات الفكرية التي كانت من المحركات الأساسية للازمة الاخوانية والتي كانت تدور حول النظرة للأردن ككيان سياسي والجدل بين المشروع الأممي والمشروع الوطني والجدل بين الخلافة والدولة المدنية والجدل بين النضال الديني والنضال الديمقراطي ومسالة الشعارات والبرامج وفصل الدعوي عن السياسي كل تلك التباينات الفكرية والتي كانت على أشدها في بداية الأزمة والذي كان تيار زمزم أول من نظر لتلك الأفكار وطالب بالتحول للمشروع الوطني وفصل الدعوي عن السياسي والإيمان بالأردن وطن وجد ليدوم لا وطن قام لظرف وظيفي كما كان يقتنع به كثير من أبناء الإخوان سابقا وانه سيزول بزوال الكيان الصهيوني وطالب بالتحول من مربع الشعارات إلى مربع البرامج … الخ
تلك الأفكار بدأت حاليا وكأن الكل يجمع عليها فوجدنا المراقب العام السابق الشيخ سالم الفلاحات ينادي بما تنادي به زمزم من مدنية الدولة وذهب إلى أكثر من ذلك في مقال له عن الخلط وعدم وضوح مفهوم العلمانية في الشرق ، فيما بدا رئيس مجلس شورى جماعة الإخوان الأم زكي بني أرشيد أكثر قبولا لتلك الأفكار بعد خروجه من السجن وان كانت لم تنضج تلك الأفكار في ذهنه بشكل كامل حتى الآن وبدا ذلك واضحا من خلال ندوة تلفزيونية عقدت بهذا الخصوص مع الكاتب محمد أبو رمان قبل أسابيع لكنه تطور ملفت للنظر والاهتمام أيضا ويمكن الاستبشار به والبناء عليه .
(4) هل المصالحة بين الإخوان ممكنة ؟

بدأت جماعة الإخوان الأم تصل إلى قناعة أن الحال لن يعود إلى ما كان عليه قبل الربيع العربي ولذلك عمدوا إلى تشكيل لجنة لدراسة الحلول للخروج من الأزمة القائمة والشرنقة التي علقت بها الجماعة الأم لكن السؤال هل سوف تذهب تلك اللجنة لخيار المصالحة لوقف الخسارات والذهاب إلى الحلول الأقل تكلفة ، لكن السؤال الأهم أيضا ما هي فرص نجاح تلك المصالحة فيما لو أرادت اللجنة أن تذهب إليها .

الرأي الأولى : يقول أن المصالحة أصبحت ممكنة من أي وقت مضى وأنها ستكون عمل ناجز فقط بمجرد توفر الإرادة لذلك وإبعاد الصراعات الشخصية، و يبدو أن هناك ما يدعم هذا الرأي من عدة وجوه وهو أن جميع الفرقاء أدرك انه لا غنى له عن الأخر وان الانتخابات أثبتت حجم الزلزال الذي أصاب الحركة من تلك الانشقاقات ، كما أن النظام السياسي حسم مسالة تعاطيه مع الجماعة الأم بصيغتها القديمة كما وان الجمعية تدرك أنها لم تحقق أي تقدم في كسب قلوب أبناء الحركة وان كانت كسبت المقرات والاسم والشرعية القانونية ، كما أن التباينات الفكرية بدأت تتقلص بشكل كبير وخاصة بعد خروج بني أرشيد من سجنه ومحاولته تطوير مساره والذي بدأت عليه ملامح التحول الفكري وهو الشخص الذي لا زال صاحب الكلمة القوية داخل أروقة الإخوان الأم ، كما أن وجود شخصية المراقب العام على رأس قيادة للجماعة الأم وهو يصنف على انه من ذات اللون الفكري للتيارات التي انشقت خفف من حدة الاستقطاب ولو على المستوى القيادي .

الرأي الثاني : والذي يقول أن المصالحة ليست ممكنة التحقق وان الفرقة ازدادت وان جمع الشمل أصبح نوعا من التمني والأحلام الرغائبية ولهذا الرأي ما يعززه فجولة بسيطة على مواقع التواصل الاجتماعي ستجد حجم الاستقطاب الحاد وهو استقطاب لا زال يعمل بدافعية القيادة السابقة للجماعة الأم( حقبة د همام سعيد ) والتي كانت تعلن الحرب على جمعية جماعة الإخوان ، كما أن مياه كثيرة جرت تحت العلاقة بين الإخوان أنفسهم فخدشت عنصر الثقة بينهم مما يجعل التئام الشمل صعب ، إضافة إلى أن هناك كيانات أخرى تكونت بالشراكة مع من هم بعيد عن الإخوان الأم كزمزم والشراكة والإنقاذ مما يجعل الأمر من الصعب تجاوزه بسهولة فالأمر لم يعد يعني أطراف الإخوان لوحدهم بل هناك شركاء للكيانات الجديدة أيضا، إضافة إلى وجود أطراف لا ترغب بالمصالحة وتنظر للانشقاقات كعملية انتخاب طبيعي لتنقية الصف الإخواني وهذه الأطراف تسعى بكل ما أوتيت لإفشال أي فكرة تقارب مع أطراف الجمعية وزمزم والإنقاذ.

الرأي الثالث : والذي أؤمن به شخصيا يقول أن المصالحة ستكون ممكنة في المستقبل وان المصالحة سوف تتبلور معالمها شيئا فشيئا وان الوقت سينضجها بشكل اكبر في المستقبل المتوسط القريب وان الزمن كفيل بإزالة كل احتقانات الصراع وجعل الأمور تبدو للجميع كما هي على الواقع لا كما يحب أن يراها أطراف النزاع لكن هذه المصالحة حتى تتم لا بد من وجود مقدمات لتلك المصالحة يقدمها كل أطراف الصراع واعتقد أنها ممكنة وضرورية ويمكن إجمالها بالتالي :-

• أن تقوم جمعية جماعة الإخوان المسلمين بإعلان فصل العمل الدعوي عن السياسي وتحويلها إلى جمعية دعوية خيرية بعيدة عن الصراعات السياسية حتى يشعر الجميع أن التحول من الجماعة للجمعية يعني أن هناك اختلاف حقيقي في البناء لا مجرد الانتقال من تنظيم إلى تنظيم أخر بذات الأفكار والأخطاء والأمراض

• أن تتوقف جمعية جماعة الإخوان عن الاستحواذ على مقرات الجماعة الأم وان تترك الأزمة تبرد حتى يمكن الحوار حولها بعقل ومساعدة أصحاب صوت العقل في الجماعة الأم والذين يؤمنون بالتقارب مع الجمعية حتى يتمكنوا من الإفصاح عن رؤيتهم أمام قواعدهم .

• أن تطور جمعية جماعة الإخوان المسلمين مبادرتها ( تعالوا إلى كلمة سواء ) الموجهة إلى أعضاء الجماعة الأم بان تضع استقالة مكتبها وأعضاء شوراها بمجرد قبول قيادات الجماعة الأم التعاطي مع الجمعية وان يتم ترتيب قيادة المرحلة الانتقالية لاحقا بما يرضي الجميع .

• أن تتعامل لجنة الجماعة الأم المشكلة لدراسة الأزمة بواقعية وتبتعد عن الشعبوية داخل القواعد الاخوانية وان تواجههم بحقائق الأمور كما هي لا كما كانت تصورها القيادة السابقة والتي كانت تقوم على التجاهل والتمني .
• أن يبادر النشطاء والقادة السياسيين الأقل استقطابا في كل الأحزاب التي انبثق عن جماعة الإخوان الأم سابقا ولاحقا لتكوين منتدى حواري يضم ( حزب الجبهة ، حزب زمزم ، حزب الوسط الإسلامي ، حزب الشراكة والإنقاذ ) وإجراء نقاشات فكرية معمقة حول المستجدات السياسية وخصوصا الدولة المدنية وكل ما يتعلق بها والعمل على بلورة مشروع سياسي واضح يحمله الجميع ويدافع عنه الجميع ويقدمه للمجتمع الأردني أولا كمخرج من أزمته العاصفة التي يعيش ويقدموه لأنفسهم ثانيا لتقليص كل التباينات السياسية التي كانت محرك مهم في أزمة الحركة على مدار ثلاثة عقود من الزمن تقريبا.

بالنهاية مهما تعمقت الخلافات الاخوانية الداخلية إلا أن الواقع يقول بأنه لا زال ما يجمعهم أكثر بكثير مما يفرقهم وان المسالة لا تحتاج حتى تتحق المصالحة بينهم أكثر من حسن إدارة قيادية وشجاعة في الذهاب لخطاب العقل وتطهير بؤر التأزيم واستثارة معاني الأخوة التي تربوا عليها أزمان طويلة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى