صناعة الذاكرة

مقال الخميس 16-4-2020
صناعة الذاكرة
لو أن خيار “المونتاج” متاح لدينا ، لعملت “قص” هذا العام من مسلسل العمر ، مجرّد “فيروس حقير” جمّد المتعة في عروق الحياة ، جماعات نحن لكننا نعيش بعزلة “كأعزبٍ غريب” ، نغلق أبوابنا علينا ،نقتات على ما اشتريناه قبل الغروب على عجل، نسلّم رؤوسنا لأجهزتنا ،نعدّ الساعات لتشرق شمس لا ترانا..
أحاول هذه الأيام أن أصنع الذاكرة ، أحاول الاّ يُطبع مصطلح “كورونا” في ذاكرة أبنائي الا ما يلتقطوه رغماً عني بين برامج الكرتون..أحاول أن أصنع لهم ألعاباً جديدة ،أرسم لهم على دفاترهم كوخاً وغيمة وربيع أولوّنه بقلمٍ خشبي ، أحاول أن ألفت انتباههم الى دودة الربيع المزركشة ،نتابع تقلصّاتها وهي تمشي بين العشب القليل في بيتنا ، أن أعظّم كفاح زهرة نبتت بين صخرتين ، أقول لهم انظروا أنا زرعتها هنا..حقاً؟ متى؟..قبل الشتاء..أنا أكذب وهم يعرفون أنني أكذب لكنني أحاول صناعة الذاكرة…نُداهم بصمت عشّاً لم يكمل بناءه العصفور بعد ، أقول لهم ،هذا العصفور صديقي..استأذنني أن يبني بيته فوق بيتي ،وغدا سيضع بيضتين مرقّطتين..حقاً؟ ومتى ستفقس؟ بعد أسبوعين..أنا أكذب وهم يعرفون أنني أكذب ،لكنني أحاول صناعة الذاكرة..
تذكرون السلحفاة؟ تلك الصغيرة التي أسميتها “خيرية”..سنذهب هذا الربيع أيضاَ، ونبحث عن واحدة مثلها..ستركضون في نفس المكان وأرمي لكم الكرة بعيداً، ونفتح كيس اللوز بعد مسابقة للجري تشترك به العائلة كلها..وسنبحث عن العشب البرّي وأعّرفكم على أسماء النباتات..وتجمعون بعض الزهر الغريب ،وتقطفون ورق الدحنون المخملي..وأضع لكم من الأغاني ما تحبّون..وستنامون فور عودتكم بعد يوم طويل وجميل ورائحة الورد الأصفر على أكفكم وبين أصابعكم….حقا؟ متى؟..قريباً ، بعد أسبوعٍ أو أسبوعين..أنا أكذب وهم يعرفون أنني أكذب، لكنني أحاول صناعة الذاكرة…
هذا الربيع ليس لنا ،يتساءل العشب عنّا.. تبحث عن مفارشنا عصافير السهل، ونسمة الغروب الباردة ، تطير الفراشات بملل شديد، ما طعم الحياة من غير الإنسان هكذا تسأل بعض الكائنات التي لا نفهم لغتها..
لن أدع وجع “الحجز” يفسد علي ذاكرتي المليئة بالفرح، سأصنع الفرح كما يصنع العصفور عشّه ،وسأصنع ذاكرتي ولو من وجه فنجان قهوة..أو شال غيمة عابرة دغدغ وجه القمر..

أحب الحياة..لأنها حياة..
احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى