نفرتيتي: بيضاء أم سمراء؟ هذه الأدلة قد تحسم الجدل الدائر

سواليف

نفرتيتي.. سمراء أم بيضاء؟ كان هذا هو السؤال الذي انتشر على الشبكات الاجتماعية، بعدما كشفت قناة NBC News عن تمثال صُنع حديثاً لنفرتيتي خلال شباط/فبراير 2018.

وتمت صناعة التمثال بإشراف من مقدِّم البرامج على قناة Travel Channel الأميركية، جوش غاتس، بناءً على جثة السيدة الصغيرة الموجودة بالمتحف المصري، واعتماداً على تكنولوجيات حديثة في مجالي التصوير الثلاثي والطب الشرعي.

لكن، ما أغضب البعض، خصوصاً مجموعات الـAfrocentric (مجموعات تؤمن بأن الحضارة المصرية بناها السود)، هو أن التمثال ظهر ببشرة وملامح بيضاء، بعيدة عن التصور الذي تخيلوه.

هذا النقاش الذي دار على الشبكات الاجتماعية، طرح التساؤلين التاليَين: ما هو لون بشرة الملكة نفرتيتي زوجة الملك إخناتون؟ وماذا كان لون المصريين القدماء؟

البداية مع هيرودوت

يقول الباحث الأثري محمد محيي إن “فكرة المصريين أصحاب البشرة السوداء بدأت مع شامبليون، الذي ادّعى أنهم سود البشرة، وسبقه هيرودوت، الذي قال إن المصريين يشبهون الأفارقة السود. لكن المعروف أن المؤرخ اليوناني الشهير قد ارتكب أخطاء تاريخية عند وصفه بعض مناطق مصر، فعند وصفه مثلاً هضبة الجيزة، لم يذكر أبو الهول على الإطلاق، الأمر الذي يشكك في حقيقة زيارته لمصر”.

يشير محيي إلى أن من نفى كلام جان شامبليون هو أخوه جاك فرانسوا شامبليون، الذي نفى أن يكون المصريون القدماء نوبيِّين أو سود، “فجاك هو من عدل على ترجمة أخيه الأكبر جان شامبليون للهيروغليفية والذي لم يزر مصر إلا بعد فكِّه هذه الرموز”.

يضيف محيي: “وفي سبعينيات القرن الماضي، ظهر أميركي من أصل سنغالي يدعى (شيخ أنتا ديوب)، ألَّف كتاباً بعنوان (الأصول السوداء للحضارة المصرية)، ادَّعى فيه أن الفراعنة كانوا سوداً وأن النوبة هي أصل الحضارة المصرية. هذا القول لقي رواجاً في مصر عقب نشره على لسان غير المتخصصين، بينما الأكاديميون ينفون هذا الرأي تماماً، وأن الاختلاف بين المصريين والنوبيين كان واضحاً بحسب الأدلية الأركيولوجية”.

نفرتيتي.. نوبية أم مصرية؟

يقول محيي: “كثرت الأقاويل حول نفرتيتي؛ فالأكراد قالوا إنها حفيدة لأحد ملوكهم، أما الأفارقة فقد نسبوها لهم، بجانب شعوب أخرى”.

يشير محيي إلى أن ما نعرفه عن نفرتيتي اليوم، هو ما دُوِّن في عصر إخناتون فقط، وأنها لم تكن أجنبية كما يدّعي البعض؛ بل كانت مصرية، فنفرتيتي هي ابنة الملك “إي” الذي تولى الحكم بعد توت عنخ آمون، بحسب ترجيحات علماء الآثار.

أما الشواهد البصرية لنفرتيتي، فهي كثيرة؛ فبعيداً عن رأس نفرتيتي الشهير المحفوظ في متحف برلين، والذي أظهرها بملامح مصرية، فإن هناك جداريات وتماثيل في المتحف المصري تُظهرها، هي وبناتها السبع، بملامح مصرية صرفة.

وأوضح محيي أن الأجانب في مصر قد يصلون لبعض المناصب الهامة، لكن لا يمكن لنفرتيتي -إذا كانت أجنبية- أن تحكم بشكل مشترك، كما حدث مع زوجها إخناتون.

وكان المصريون قد قسموا جيرانهم الجنوبيين من النوبيين والأفارقة إلى عدة أعراق؛ منهم إنتيوسيتي، وإرم، ومنتونستت (سكان جنوب السودان)، وكوش (سكان شمال السودان)، وقد صُوِّر بعضهم في عدة جداريات بملامح مختلفة عن المصريين القدماء، أشهرها جدارية “الأقواس التسع” والتي صوَّرت أعداء مصر الخارجيين، من ضمنهم 4 أنواع من الأفارقة، كانوا في عداء مع مصر القديمة.

ورغم ذلك، فقد تزوَّج المصريون ببعض الأميرات النوبيات، التي تُظهرهم الآثار ببشرة سوداء صرفة وملامح إفريقية واضحة مختلفة عن الفراعنة، مثال على ذلك: الملك “كم سيت” النوبية زوجة الملك منتوحتب الثاني، الذي حكم مصر بين 2061 و2010 ق.م، والتي أظهرتها جداريات الدير البحري بملامح نوبية.

أما الألوان الموجودة على الجداريات المصرية، فكانت رمزية، يقول محيي إن السيدات المصريات تم تلوينهن دائماً باللون الأصفر أو الأبيض، فيما صُوِّر الرجال باللون البني أو البرونزي، الذي كان يشير إلى اسمرار بشرة المصريين القدماء؛ بسبب تعرُّضهم للشمس فترات طويلة.

وكان اللون الأصفر الباهت يشير إلى الموت حديثاً، في حين أن النوبيين والأعراق الأخرى قد صوَّرهم المصري القديم بشكل مختلف عنهم، سواء في ملامح الوجه أو لون البشرة أو الملابس.

الدليل الجيني

وفي 20 أبريل/نيسان من عام 2017، نشرت مجلة Nature العلمية دراسة جينية هامة أُجريت على مومياوات مصرية، عُثر عليها في منطقة “أبوصير الملق” بمحافظة بني سويف.

أثبتت الدراسة أن المصريين القدماء كانوا أقرب للشعوب القديمة التي سكنت شرق المتوسط، فكانوا يشتركون في جينات سكان شبه جزيرة الأناضول وأوروبا في ذلك الوقت.

وتقول الدراسة إن البيانات الوراثية تكشف عن نسبة اتصال عالية بين سكان منطقة “أبو صير الملق” والسكان الحديثين لمنطقة الشرق الأدنى والشام، في حين أن هناك اتصالاً جينياً قليلاً بجيرانهم الجنوبيين رغم اختلاط بعض المصريين بالنوبيين في الجنوب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى