دعاء يتيم اردني في ليلة شديدة البرودة!!! …محمود قطيشات

سؤال أوجهه الى كل أثرياء الأردن القابعين في القصور والقلاع والحصون .. الذين يرقصون على صوت المطر المتساقط فوق الاباجورات المغلقة في صالوناتهم وغرف نومهم ..ويتناولون من المأكولات و المشروبات ما لانعرف لها اسما ولا نحصي لها عددا ..

ويعتنون بالكثير من القطط والكلاب وينفقون عليها بقدر مصروف عشرين اسرة فقيرة تنتظر اسبوعا او اسبوعين امام صناديق المعونة الوطنية للحصول على معونة شهرية بالكاد تكفي لدفع ايجار المنزل الأيل للسقوط وشراء كيلو او كيلو ونصف من الخبز لتتناوله الاسرة مع رأس من البصل او علبة سردين من النوع الرديء او لشراء عشرين حبة فلافل لعمل ساندويشات لاطفال طالما ناموا ليلتهم بنصف بطن وطن…..

اسرد على مسامعكم يا اغنياء الاردن بعض الحكايات التي لا تصدقونها .. كيف لا وانتم تعيشون في عالم اخر .. فهل يعرف بعضكم ان من بين الاردنيين من يبيت ليلته دون ان يغمض له جفن .. اتدرون لماذا ؟؟ لأن مياه الامطار تتساقط عليه من السقف و( تسح ) عليه من الحيطان والموالي ؟؟ وهل يعرف بعضكم ان بعض الاسر الاردنية تعاني من اوجاع المفاصل وامراض الروماتيزم بسبب البرودة التي تنخر عظامهم ؟؟؟ وهل تعرف حضراتكم ان مطابخ فقراء الاردن تفتقر الى الغازات والثلاجات وان كثيرين منهم يتدفأوون على بريموس الكاز .. وهل تعرف زوجاتكم المصونات وكريماتكم الموقرات ان هناك نساء اردنيات يقفن امام محلات بيع اللحوم ( ليتحّسن ) احدهم عليهن بشيء من الدهن والعظام ..

وأن العوز بلغ ببعضهن ان قمن بعمل شوربة على ارجل الدجاج … الله اكبر قد يقول قائل منكم ان هذا الرجل يبالغ ويزيد في القول .. واعذركم على ذلك فأنتم لستم من طينة الاردنيين ولستم من عجينتهم … انتم اناس انانيون ساديون تستمتعون برؤية الفقراء وهم يتضورون من الجوع ويئنون من البرد و( ينغضرون ) من قلة ذات اليد ..

هل تعرف زوجاتكم وبناتكم المتدثرات في الالبسة الصوفية والمتنعمات بحرارة الكوندشنات في السيارات الفارهة والقصور الفخمة ان هناك اطفالا ايتاما لم تعد تجدي معهم كل ادوية المغص ووجع البطن من شدة البرودة داخل الغرف الحزينة التي يمضون فيها ساعات صعبة في ليالي الشتاء قاسية البرودة … الله اكبر هل من العدالة ان يموت فقراء الاردن من البرد والجوع واثرياء الاردن يغطون كلابهم وقططهم بالحرامات الصوفية ويسقونها المياه المعدنية ..

ايها اللئام كيف ستقابلون ربكم وماذا ستقولون له يوم الموقف العظيم ..؟؟ هذا اذا كنتم تؤمنون بالبعث والنشور والحساب ..ايها الاغنياء الاثرياء تذكروا وانتم تحظنون زوجاتكم واولادكم ان هناك ايتاما بلا اباء وبلا امهات .. ينتظرون بزوغ الفجر فربما حمل معه قليلا من اشعة الشمس التي تعيد الحياة للاجساد المتخشبة ..

وربما تسلل احدهم الى حاوية نفايات لعله يجد فيها كسرة خبز او قطعة (حلوى) او حتى دجاجة مشوية القيتم بها في القمامة ليسد بها رمقه بعد ان سدت منافذ اجهزتكم الهضمية ولم يعد هناك متسع فيها …يا اثرياء بلدي ايها الاغنياء انا على يقين من انكم لا تعرفون ثمن اسطوانة الغاز ولا ثمن تنكة الكاز .. فهذا ليس من جملة اهتماماتكم ..

اما فقراء الوطن فيعنيهم ذلك فهي اهم عندهم من اسعار البورصة ومن اسعار تذاكر الطائرات الى فرانكفورت واثينا واسطنبول حيث تقضون معظم ايام السنةهناك.. هل جرّب احدكم ان يقف عند محطة للوقود ليرى بعينه اطفالا بعمر الورود يلبسون البلاطين المهترئة والقمصان التي تسمح للرياح بالدخول منها والخروج كيف تشاء ..

بالله عليكم كيف سيكون شعوركم وانتم ترون طفلة بعمر اطفالكم ترتجف من البرد وتحمل بيدها المتيبسة من شدة البرد زجاجة ببسي فارغة لتملآها ببعض الكاز ليتدفا عليها اخوة لها كأفراخ الحمام متكومون بالقرب من امها الثكلى التي لا معيل لها سوى ما يجود به اهل الخير عليهم من بعض الطعام وبعض القروش .. بالله عليكم هل قام احدكم يا اثرياء الاردن بزيارة لاحدى مدارس الحكومة في منطقة قروية او شعبية .. ؟؟ سأقص على مسامعكم قصة حقيقية .. ذات ليلة ماطرة حضرت طالبة في مدرسة ابتدائية متأخرة الى الطابور ..

ولأن المعلمة بنت حلال اخذتها الى غرفة المعلمات لتعيد اليها بعض حرارة الجسد المنهك من ثقل المطر الذي بلل كل اركانها وطلبت منها ان تخلع المريول لكي تنشفه على المدفأة .. لتكتشف ان الطالبة تلبسه على ( اللحم ) وانه لا يوجد تحته ما يسترجسد الفتاة او يقيها البرد .. الله اكبر يا اثرياء الاردن فهل انتم اردنيون حقا ..وهل تعرفون ان بعض الطلبة الفقراء الذين يغادرون المدرسة ظهرا يصلون منازلهم بعد العصر لانهم يضطرون للعودة مشيا لعدم امتلاكهم اجرة الباص ..

واذا قلت لكم ان طالبة جامعية طالما مشت ثمانية كيلومترات سيرا على الاقدام من والى الجامعى في السلط لانها توفر اجرة الباص لشراء الخبز لاخوانها واخواتها .. بعضكم يظن انني ابالغ فيما اقول ومن حقكم يا اثرياء الاردن ان تستغربوا ذلك فانتم قطعا اردنيون بالاسم اما من حيث المشاعر فانتم امريكيون او فرنسيون ؟؟ سررت جدا حينما بادر الملك حفظه الله الى كفالة الف وخمسمئة من ايتام غزة .. فله الفضل وله الاجر ولكن هل درى اثرياء الاردن كم من يتيم ينتظر مبادرة كريمة على غرار مبادرة الملك .. وهل درى اثرياء الاردن الذين يتباهون بجمع الثروات وتكديسها في البنوك ان الارامل والايتام يدعون عليكم كل طالع شمس وهل تدركون حجم الحقد المزروع في النفوس عليكم ..

انهم يصفونكم بأقذع الاوصاف ويلعنونكم صباح مساء ويطلبون من الله عز وجل ان يخسف بكم وبأولادكم الارض وان تتحول قصوركم الى قبور و كونديشيناتكم الى لظى وجحيم ونار تحرقكم .. انهم يتمنون لكم من الامراض مالا شفاء منها ولا دواء لها ؟؟ تصوروا يا اثرياء الاردن كم انتم قساة غليظوا القلوب .. كيف يرتاح لكم بال وانتم تعرفون ان من بين ابناء بلدكم من اقعدته الحاجة وهدّه المرض ونالت من كبريائه الايام ومع ذلك لا تحركون ساكنا .. فهل انتم حقا بشر من لحم ودم ؟؟ الله اكبر عليكم يا اثرياء الاردن تنفقون الالاف المؤلفة والملايين على مشتهيات نفوسكم ولذائذكم الجسدية ولا ( تسفطون ) ان تقدموا النزر اليسير لاسرة محتاجة او لطفل يتيم او لأم سخرت شبابها وامومتها لأطفالها بعد ان مات عنهم المعيل وتركهم نهبا يصارعون مصائب الزمن …

سألت طفلا يقف امام احدى المدارس بانتظار سائق سيارة يشفق عليه ويحمله الى اول الطريق الترابي الموصل الى بيته ماذا تتمنى ان تفعل عندما تكبر قال ان يكون معي مصاري كثير واشتري سيارة زي السيارات اللي بتمر عنّا وما بتركبنا .. قلت له هل انت غاضب منهم ؟؟ قال بفرجيهم لما اكبر والله غير اوكلهم بسناني … هذول مش اوادم هذول شياطين .. هكذا قال الطفل بكل براءة لا تخلو من الحقد .. اما انا فسارعت لكتابة ما تقرأون فلعل وعسى ان تحرك في اثرياء الاردن او كبار المسؤولين فيهم ساكنا .. فنسمع عن مبادرة مثل مبادرة الملك عبدالله لايتام غزة .. حتى لا نصل الى اليوم الذي يتجرأ فقراء الاردن على اغنيائه فيأكلونهم بأسنانهم على حد قول ذلك الطفل البريء …

محمود قطيشات

ف . ع

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى