جدلية اليأس والخُرافة!! / خيري منصور

جدلية اليأس والخُرافة!!
أحيانا يحدث للمجتمعات ما يحدث للأفراد عندما يصابون بداء عُضال ويعودون من عيادات الاطباء بخفي حنين، عندئذ يلوذون بالخرافة لأنهم يعتقدون ان الطب بمعناه العلمي الدقيق اخفق في شفائهم، والمجتمع الذي لا يجد من نخبته وطليعته من يقنعه بالأمل في الشفاء يستدير ألف عام الى الوراء ضاربا بالوصفات وعلب الدواء الفارغة عرض البحر او الحائط لا فرق !
لكن هل بذلت النُّخب العربية ما يكفي من الجهد لتشخيص الامراض السياسية والاجتماعية ؟ ام هي الاخرى استدارت الى الوراء كي تجد الحلّ الذي كان شائعا في غياب العلم وكشوفاته ؟ عندئذ سيكون المثقف اشبه بعبد المعين الذي يبحث عمّن يعينه كما يقول المثل الشعبي .
ان معظم ما نسمعه من الناس في هذه الايام يفتضح مساحة اليأس الذي بلغ حدّ القنوط من كل شيء، فهم ينامون ويصحون على اخبار لا تسرّ غير العدو، قتل وتشريد وجوع في كل مكان، ومنهم من يرى في هذا الشقاء عقابا على ما يعجّ به الواقع من فساد وانهيار لمنظومة القيم، وحين يقرأون اذا تسنى لبعضهم ذلك بسبب تفشي الأمية وضيق الوقت فإنهم لا يشعرون بأن هناك من يعبّر عنهم، بقدر ما يخونهم ويدير ظهره لشقائهم، فالكتابة الآن تحترف تهريب الواقع او تجميل القبيح منه على طريقة ليس بالامكان افضل مما كان، والقياس الرائج الان على الاسوأ فقط وكأن هدف العربي بعد كل تلك المعاناة هو ان يبقى كما هو لهذا السبب اصبحت ليبيا والعراق وسوريا الجحيم الذي يقابله نعيم البقاء على هذا الحال .
ويلعب الاعلام الدّاجن والموظف دورا في تهريب الواقع، وتذكير المريض بأنه احسن حالا من الميت، لهذا غالبا ما يقاس متوسط الدخل في بلد ما في ضوء متوسط الدخل في اشد الدول فشلا وفقرا كي يرضى مقصوص الجناحين بحاله الى ان تأتي لحظة الطيران والتحليق وقد لا تأتي على الاطلاق على طريقة بيكيت في مسرحيته بانتظار غودو .
والمجتمع الذي ينبش الدفاتر القديمة والمقابر بحثا عن خرافات تعينه على احتمال ما يعانيه هو اشبه بالمريض الذي طرق كل الأبواب وجرّب كل انواع الدواء لكنه لم يتماثل للشفاء، عندئذ يتشبث بأية وصفة شعبية يسمع عنها ويجربها في جسده، لكنه في هذا الحال كمن يعالج الورم بكمادات الماء وفقدان المناعة بحبة اسبرين !
ما تعانيه مجتمعاتنا ليس مرضا عضالا وعصيّا على الشفاء، بل هو غياب الاطباء الذين لم ينكثوا بقسم ابقراط وهم النّخب المعروضة للايجار !!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى