لا عين تشوف ولا قلب يحزن / هبة إميل العكشة

لا عين تشوف ولا قلب يحزن

عندما كنتُ صغيرةً دائما ًما كنتُ أتعجّب كيف ضاعت فلسطين من أجدادنا وآبائنا! بدَتْ لي القضية الفلسطينية أمراً كان يمكن السيطرة عليه. إلى أن كَبُرتُ وأدركتُ أنه ليس هنالك حقاً أسهلُ من ضياع الأوطان العربية… كَبُرتُ واتضحت الصورة، أو على الأقل هذا ما توصَّلت اليه بفهمي المتواضع؛ جميع الأوطان العربية قِطَعٌ في رقعة شطرنج ملطّخة بالدماء، لعبة شطرنج بلا قوانين، فهي ليست حِكراً على لاعِبَين اثنين، في النهاية يموتُ الجميع من أجل أن يحيا الملك… لكن حتى الملك الذي فاز قد يُرمى خارج اللعبة في أي لحظة، لا يمكن لأحد التنبؤ بالخطوة التالية للاعبِين، أما المأساة الكبرى للعبة تكمن في أنها لا تنتهي! وما أنا وأنتم سوى متفرّجين قد يتم إقحامنا في اللعبة والتضحية بنا في أي وقت!

ومن هنا بدأتُ بالتفكير في الشيء الوحيد الذي باستطاعتي التحكّم به وسط هذه الفوضى… ألا وهو متابعتي لأحداث اللعبة … ماذا سيحدثُ لو لم أقرأ الصحف والمواقع الإلكترونية؟ ماذا لو توقفتُ عن مشاهدة القنوات الإخبارية، وانقطعتُ عن مواقع التواصل الاجتماعي؟ أنا بشكل عام لم أكن متابعةً وفيةً للأخبار، لكن هذه المرة القرار صارم، أريد أن أبتعدَ عن أي مصدر للخبر. وهذا ما بدأتُ بفعله حقاً منذ شهرين، والنتيجة؟ كوابيس أقل، ليالٍ من النوم العميق، أصبحت أكثر إنتاجية وأقلّ كآبة، وكما قالت لي صديقتي بعد أن علِمتْ بقراري: “لا عين تشوف ولا قلب يحزن”. لكن هذا لا يعني بأي شكلٍ من الأشكال عدم مبالاتي بما يحدث، لكنه يعكس ألَمي نتيجة عجزي عن فعلِ أي شيء، ومحاولتي الحفاظَ على ما تبقى من صحّتي النفسية. ربما أكونُ حساسة أكثر من غيري، لكنني لا ألومُ نفسي أبداً على ذلك، فمع أنني لم أعِش حروبا،ً إلا أنني عايشتُ الحروب والمآسي جميعها بفضل الإعلام؛ الانتفاضة الثانية، حرب العراق عام 2004، سجن أبو غريب، الربيع العربي، حرب اليمن … كلّها مشاهدٌ تعيدُ نفسها في رأسي كفلمِ رعبٍ طويل يأبى أن ينتهي. كما يقول حمزة نمرة في إحدى أغانيه “إحنا الجيل اللي الشايب وهو شباب”، وأنا عانيت بما فيه الكفاية وكان عليّ فعل شيء ما لإنقاذ نفسي والمحافظة على ما تبقى من شبابي.

السخرية الحقيقة تكمن في أنك تقرأُ هذا المقال الذي ينصحك بتجنّب الأخبار على “موقع إخباري”، وفي الغالب تقرأه من خلال إحدى مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك أهنّئكم، أنتم الصامدون أصحابَ القلوب القوية، القادرون على متابعة أخبار أو بالأحرى “مآسي” الوطن العربي. بالمناسبة، أنا أضع كامل ثقتي فيكم لتُعلموني بأي أخبار سعيدة عن أوطاننا المكلومة، رجاءً لا تخذلوني فقد مللتُ الخذلان.

هبة إميل العكشة
hebaakasheh07@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى