منشية الشديفات بني حسن … المدرسة / م . عبدالله الشديفات

منشية الشديفات بني حسن … المدرسة
كونوا جميعاً يابني إذا اعترى *** خطب ولا تتفرقوا آحـــادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً *** وإذا افترقن تكسرت أفرادا
كأني أسمع بوحا من أجدادي يتسلل عبر الزمن يخاطب أحفاده ناصحا حكيما ، فما كان من الأحفاد إلا أن تمثلوها قولا وعملا ، فكانوا حزمة الرماح التي تعصى على كل يد باغية ، فقامت بهم مدرسة تعلم أبناءها دروس الرجولة والعزة والكرامة ، مقرراتها صحائف أعدت أحبارها أيادي أخوات الرجال كرائم عشيرتي ، و نظمت صفحاتها سواعد الصناديد حماية الطرف (أهل البلها) ، ثم أملى سطورها حكماء القوم شيوخ لابتي ،،
نعم عزيزي القارىء ، منشيتي (مدرسة ) وطنية تعلم من يقصدها دروسا في العمل الجاد الطموح و البذل والعطاء والانتماء ، تعلم من يشكو آلام الفرقة والشرذمة كيف تكون الوحدة والتآلف والتكاتف ، تعلم من شرخت قواعدهم عواصف التشاحن والتقاتل على مكاسب الدنيا كيف يكون الفرد للجميع وكيف تعلو مصلحة الجماعة على كل مصلحة ،،
تلك هي عشيرتي ، وتلك هي منشيتي ، لا أقولها مخمورا بنزعات التعصب و التهويل و ادعاء ما ليس فينا ، فلسنا كمن يهيمون خلف سراب بطولات اندثرت ، ولا كمن يتغنون بأمجاد تولت ، حتى قال الشاعر في جاهلهم المتغني بما لم يصنع :
أرأيت أحمق من جهول يدَّعي…. ما ليس فيه ويعقد الأيمانا
ركب الأتان وظن أن أتانه ….يوم الرهان تسابق الفرسانا
(منشيتي) ،، ديرة الشديفات ومن نزل بهم من كرام الحنيطيين والعناسوة والسرحان و غيرهم ، فكانت البداية وكانت ملحمة البقاء وبناء الذات ، ديرتنا ديرة عصامية لم تكن وليدة اليوم بل وليدة أجيال من الزمن بدأت حين كانت بلاد الشام فوضى تتقاتل فيها القبائل في صراع على الكلأ والماء ، فكانت مثالا على وحدة الكلمة والوقوف صفا واحدا في وجه من تسول له نفسه المساس بأطراف حلفاءها فكانت ( حماية الطرف ) ، تنام الأحلاف مطمئنة أن هناك من يقطع يد كل من يحوف ديرتها ،، فكان الدرس الأول الذي تعلمته وعلمته : ( الجماعة ووحدة الصف والكلمة )
وَمَا الحَـرْبُ إِلاَّ مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُـمُ…..وَمَا هُـوَ عَنْهَا بِالحَـدِيثِ المُرَجَّـم
مَتَـى تَبْعَـثُوهَا تَبْعَـثُوهَا ذَمِيْمَـةً….. وَتَضْـرَ إِذَا ضَرَّيْتُمُـوهَا فَتَضْـرَمِ
ثم تتوالى السنون وكانت الدولة الأردنية ، واستقرت القبائل والعشائر في أراضيها ، فتشاور حكماء القوم وشيوخهم ، فرأوا ببصيرة نافذة أن هناك تطورا حضاريا متسارعا وأن للمستقبل احتياجات لا تغفل على كل لبيب ، فقسموا أراض بلدة المنشية بطريقة هندسية أذهلت فيما أبعد المهندسين والمساحين حين قامت الحكومة بعمل تسوية للأراضي على مستوى المملكة كاملة ،،، شوارع مستقيمة متوازية تقسم البلدة بشكل جميل ويراعي بنفس الوقت التقسيمات الداخلية للعائلات ،، من كان يفكر في أربعينيات القرن الماضي أن يخصص أراض للمدارس والمراكز الصحية بل والمنتزهات عند تقسيم أراض قريته ،، هل مثل هذا يصدر إلا عن أناس أفذاذ في التفكير والتخطيط ،، فكان الدرس الثاني الذي قدمته ( مدرسة الشديفية ) ألا وهو ( التخطيط والتنظيم ) ،،،
وتستمر مسيرة (المدرسة الشديفية) :
العلم والتعليم ، سلاح العصر ، العالم من حولنا يتطور ، والدولة الأردنية الناشئة لا تستطيع أن تقوم بالحمل وحدها ، هل ننتظر وزارة المعارف لتقيم لنا المدارس ونترك أبناءنا في غيابت الجهل والتخلف ، (ما حك جلدك مثل ظفرك ) بهذا المثل تمثل أجدادنا فهب أهل منشيتي في أربعينيات القرن الماضي فجمعوا ما تيسر من مال لديهم مع ضيق الحال وقلة ذات اليد ، وأقاموا مدرستهم الأولى كاملة على نفقتهم الخاصة : صنعوا المقاعد ، اشتروا كل ما تحتاجه المدرسة ، استأجروا بيوتا قديمة ، جلبوا مدرسا من (إربد) ليدرس مقابل المال ،، هل سمعتم أو مر عليكم مثل هذا الصنيع، أو مثل هذا الإصرار على العلم ،، لكن بفضل الله بعد عدة سنوات أقامت الحكومة المدرسة الأولى في منشيتي لتكون مصنعا لقامات في العلم والثقافة ، وتستمر مسيرة العلم والتعليم حتى يومنا هذا ، حتى غدت بلدتي بشهادة القاصي والداني تعج بعشرات المهندسين والأطباء والأساتذة والضباط ورجال الأعمال والمفكرين و المخترعين و أصحاب الحرف والمهن و غيرهم من النخب المجتمعية ،،
فكان الدرس الثالث في منشيتي ( طلب العلم والحرص عليه ) ،،،
وتستمر مسيرتنا ،،، وتستمر المدرسة بتقديم دروسها لروادها ، واقعا ملموسا لا تنظيرا ممجوجا ،،
العقل السليم في الجسم السليم ،، الرياضة وما أدراك ما الرياضة ،، وليست بالجديدة على أهلي وعشيرتي ، فهم فرسان على الخيل ، ومن يعرف (المصنَّع ) يعرف كيف كانت تعقد المباريات بين الفرسان في جو من التنافس المشوب بالرجولة ،، ثم تتوالى الأجيال وتنتقل الرياضة الى المدارس والأندية ، ليظهر الحصان الأسود في الدوري الأردني (نادي منشية بني حسن ) ويعزف سيمفونياته الرائعة على العشب الأخضر ، والتي كتبت ألحانها على مدار أكثر من ستة وثلاثين سنة ، وقف فيها أهلنا جميعا خلف ناديهم بالدعم المادي والمعنوي ليصلوا به إلى ما وصل إليه ،،
فكان الدرس الرابع في المدرسة الشديفية ( الرياضة غذاء الروح والجسد ) ،،،
وتستمر المسيرة ، وتعود الحياة البرلمانية إلى الأردن ، وتخوض منشيتي عدة تجارب صقلت تجربتها ، ليجتمع حكماؤها ، فيقروا بينهم عرفاً التزموا به على مدار خمس دورات نيابية ، عرفاً يعطي الفرصة للجميع لتمثيل بلدتهم ، عرفا يمنع تغول الشخوص والذوات فلا قداسة لأحد فيه ، عرفا يخرج لنا مرشحا نيابيا إما بالتوافق والتراضي وإما بالانتخاب الداخلي ، لنمارس الديموقراطية في بلدتنا وندير انتخاباتنا فيها قبل ان تدير الدولة انتخاباتها العامة ، فنكون السابقين كما كنا دوما ،،، فإذا ما أفرزنا مرشح اجماعنا كنا معه الدرع والحصن ،،،
فلا تعجب عزيزي المشاهد من مسيرة الرعب التي رأيت ، فهي ليست بقطيع يساق ، وإنما هي ثمرة مسيرة أجيال تعبر عن وحدة هذه العشيرة و عزتها و كرامتها في مشهد يدعم مسيرة هذا الوطن الأشم ،، فهذه الجموع لا تسير خلف شخص ، ولا تقدس ذاتا ، في كل دورة نيابية تخرج مسيرة خلف رمز وحدتها و تماسك صفها وليس خلف فلان من الناس ،،، تزف في كل دورة أحد أبناءها ، ثم يقال له : أخلف الله عليك وما قصرت ،، ليفسح المجال لغيره من أبناء عشيرته ،، فهل يا ترى وجدت لها شبها مع سياسة القطيع يا من أغاظك هذا التلاحم والتكاتف ،،
فكان الدرس الخامس في مدرسة منشيتي ( الديموقراطية : أفعال لا أقوال ) ,,,,
وتستمر المسيرة ،، وقد دخل العالم قرنه الواحد والعشرين وغدت مؤسسات العمل المجتمعي المدني رائدة في قيادة المجتمع ، وقد نشأ جيل من الشباب تشرب حكمة من سبقوه ومزجها بروح من التحدي ليخرج علينا بسيل من المبادرات التطوعية المتتالية على مدار أكثر من سبع سنوات من حملات تبرع للدم آخرها حملة ( منشيتي شريان وطن ) والتي حطمت الرقم القياسي المسجل وطنيا في عدد وحدات الدم التي تم تحصيلها ، أو حملات كسوة للطلبة أو بطولات رياضية ، كل هذا تحت مظلة رابطات شبابية أو مجموعات على الفيسبوك كمجموعة (الديوان الكبير ) ،،،
ويستمر الفكر الخلاق في منشيتي ، ليصل الشباب إلى قناعة بأنه لا بد من توحيد العمل التطوعي الشبابي تحت مظلة قانونية واحدة ، فكان (ملتقى على خطى العرب للتنمية والعمل التطوعي ) والذي يتطوع ضمن نشاطاته أكثر من مائة متطوع ومتطوعة من خلال عدة مبادرات ومشاريع أهمها : (مشروع حفظ النعمة) والذي بدأ منذ رمضان الفائت في مبادرة هي الوحيدة على أرض الوطن ، تعمل على حفظ الطعام الفائض في البيوت أو الولائم وتقديمه بشكل لائق إلى المحتاجين في قضاء منشية بني حسن ، بالاضافة الى العديد من الخدمات الاجتماعية آخرها مبادرة (حقيبتي ) والتي أمنت 139 طالبا وطالبة بالحقائب المدرسية مع ما يلزمها من قرطاسية ،،،ومشروع ( اقرأ للتنمية التربوية ) والذي يتطوع من خلاله أكثر من 14 معلما ومعلمة ليقدموا خدمات تعليمية كان باكورتها دورة صيفية لمدة 7 اسابيع لمعالجة الطلبة الذين يعانون صعوبات في القراءة والكتابة أو بحاجة لتقوية دراسية ، التحق بها حالي 105 طالبا وطالبة ,,
أما مسك الختام في مبادرات (الملتقى ) فكانت (المبادرة الشبابية ) والتي أنهت احتقانا اجتماعيا متعلقا بالانتخابات ثم نظمت انتخابات داخلية بصورة تعجز عنها الاجهزة الحكومية ، ثم أكملت مشوارها بقيادة الحملة الانتخابية لمرشح اجماع قضاء منشية بني حسن ،،،
هذه هي المدرسة الشديفية في منشيتي ، نموذج حضاري ريادي يشهد له العدو قبل الصديق ، تصدق افعاله أقواله ،، فلا تذهلك مسيرة لو صورت من الجو لظننت بأن يأجوج ومأجوج من كل حدب ينسلون ، بعد إن اقترب الوعد الحق بعزها فشخصت أبصارُ من ساءه اجتماعها ، فقد كانوا في غفلةعن هذا بل كانوا عاجزين ،،،
تلميذ المدرسة الشديفية : أبو الفيصل بن شديف

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. أبو الفيصل بن شديف
    ايها التلميذ بشهادة برفسيور المتخرج من الجامعة الشديفية بمرتية الرجوله والكرامه واسمح لي ان اقول عنها الجامعة الشديفية لانها حقاً جمعت كل متطلبات الهيبة والشموخ والكبرياء بكل مسيرتها المعطائه وما زالت تنهج بخطى انيقه الى المجد والعليا والاصرار على اعتلاء هامات السحب بابراز اجيال نبراسها الاخلاق وعمادها العلم واهدافها الخدمة الوطنية بكافة مجالاته وتقديم ازهى وابهى نموذج للتلاحم والتكاتف.
    أبو الفيصل بن شديف
    اهنئكم من القلب رافعا لله الدعاء بأن يحفظكم اولا وان يكلل كل اعمالكم وافعالكم بالتوفيق والنجاح والفرح
    ورحم الله الاجداد ومن معهم من الاباء واعان الله الباقون منهم وانتم شيباً وشباباً على المضي بكل ما هو فخر وعز لتلك الجامعة الشامخه والعزيزه علينا

    اخوكم محيسن احمد محيسن العموش ابو المنذر
    الاخ لكل شديفي حر وشديفيه حره
    وكلكم احرار

    1. شهادة أعتز بها من حر نشمي أمثالكم ،،، ونعم الأخ أنت أبو المنذر
      ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد
      دمتم بخير ابن سمير العموشي

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى