#نور_على_نور

#نور_على_نور

د. #هاشم_غرايبه

إذا استبعدنا التعصب للرأي المسبق، ربما لا يجادل حتى معادو الدين في أنه خير كله، وأن اتباعه والإلتزام بتعاليمه فيه نفع للفرد والمجتمع، الجدل ينصب فقط على سوء استغلاله وحرفه عن مقاصده.
عند التعمق في بحث هذا الأمر، يجب معاينة كافة الجوانب، والتساؤل الموضوعي: هل أن السلبيات الناجمة عن ضعف النفس البشرية تجاه المغريات، والمتمثلة بالإتجار والاستثمار بمظاهر الطهرناية والاستقامة، هل هذه السلبيات غالبة على الإيجابيات التي يحققها التدين باتجاه تحقيق الصلاح، ولو بدرجات متفاوتة، حتى ينبري أغلب البشر لمحاربة الدين بأضعاف ما يحاربون الرذائل والشرور؟.
ألا ينبغي أن ينشغلوا أكثر بالمسألة الأهم وهي لماذا أوجد الله الدين، وما هي الغاية منه؟.
لا شك أن البشر لا يمكن أن يلموا بحكمة الخالق ولا بمقاصده من أفعاله إلا بحدود ما أخبرنا به، وما أعلمنا به أنه أنزله للناس هدى ليرشدهم الى ما فيه خيرهم وفلاحهم مما لم يكونوا ليتوصلوا إليه بعلمهم المحدود وإدراكاتهم الحسية القاصرة، كما أنه رحمة بهم من أن يأكل القوي الضعيف أو يظلم الفاجر البار منهم، ليكون معيارا مرجعيا ثابتا يحدد الصواب من الخطأ.
فرغم أن الله خلق الإنسان مزودا بمعيار فردي فطري هو الضمير، إلا أن فعاليته في ضبط السلوكات الخاطئة محدودة ومتباينة بين فرد وآخر بحسب التربية والبيئة والظروف، سيما وأن هنالك في النفس البشرية دافع فطري قوي يعارضه وهو الأنانية والتي هي متطلب ملازم للحاجة الأساسية الأولى وهي غريزة حب البقاء.
والخالق المدبر هو الذي خلق الإنسان وأراده هكذا: جملة من الدوافع المتعارضة، لكنها في النهاية تشكل توازنا مستقرا في النفس، يحكم العقل والفؤاد والجوارح، لتصدر عن الشخص أفعال وأقوال محددة.
ولأنه أعلم بما خلق وكيف خلق ولماذا خلق، لذا كل ذلك معروف للخالق: “وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ” [ق:16] ولأنه تعالى “يَعْلَم السّرّ وَأَخْفَى” [طه:7]، (السر هو ما يطلع المرء عليه شخص آخر ويطلب منه كتمانه، والأخفى من ذلك هو الذي يضمره فلا يعلم به غيره)، لذا فلا يخفى عليه شيء.
فأنزل مرجعية تشريعية موحدة للبشر، عبارة عن تعليمات معيارية تحدد الخطأ والصواب، وإليها يعود الحكم فيما نال الضمائر الفردية من انحراف أو زيغ.
من هنا نتبين خطأ الاعتقاد بأن محكمة الضمير كافية لضبط سلوكات البشر، قد تكون عند البعض صالحة، لكن الصلاح هنا نسبي، وتقدير درجة الصلاح من الفساد متباين بين فرد وآخر، لذلك فالمرجعية الثابتة هي مدى تطابق حكم الضمير مع حكم الشريعة، فإن تطابقا فخير، وإن تناقضا فيعني ذلك انحرافا من الضمير.
هكذا تتبين لنا أن الدين ضرورة لازمة للصلاح والفلاح، وليس ترفا أخلاقيا وادعاء بالطهرانية، بل متطلب للحياة الإنسانية القويمة، ورافضهُ هو رافضٌ للاستقامة، وراغب في التحلل من الالتزامات الأخلاقية التي تمنع الإنسياق وراء النزعات البدائية والرغبات الحيوانية الأولية.
من هنا نفهم مدى صدقية التسمية الشعبية لهؤلاء بـ (قليل الدين) التي هي صنو لقليل الأخلاق.
وبالضرورة فإن (قليل الدين) هو منعدم الضمير لأنه ما كان له أن يأتي تلك الموبقات التي يُحرّمها الدين لو كان ضميره ما زال حياً.
قد يسأل سائل: كيف تفسر إذاً أن كثيرا من غير المتدينين ومن أمم غير مسلمة، هم على خلق رفيع، فيما تجد مسلمين متمسكين بالدين لكن أخلاقهم وضيعة؟
الحقيقة أنه ليس كل من صام وصلى وزعم أنه مسلم هو مؤمن يمثل الدين، كثير من المسلمين يعتقدون أنهم مؤمنون لمجرد أنهم يؤدون الفرائض ويطيلون اللحى ويكثرون من التهليل والتسبيح، لكن ايمانهم لا يتجاوز التراقي.
العلامة الفارقة للمؤمن هي الأخلاق والتعاملات، وأدنى شُعَبُ الإيمان هو إماطة الأذى عن الطريق، ويرتفع الإيمان درجة درجة بمقدار حسن الأخلاق ولين المعشر وطيب التعامل مع الآخرين.
لذا تجد رفيع الخلق من الأجانب إن عرف الاسلام وتمكن من تجاوز الحواجز يسلم، ذلك لأن خلقه توافق مع الإيمان فأسلم، ومن كان منهم سيء الخلق لا يمكن أن يسلم، ولو عرف الإسلام.
أبلغ تعريف للدين بأنه المعاملة، وللمسلم بأنه من سلم الناس من لسانه ويده.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى