أردوغان وبريطانيا والدروس المستفادة / محمد نغوي

سواليف
يحتار المرء كيف سيعبر عن هذا الكم من الأفكار التي تزاحمت جراء التطورات الأخيرة، ومن اية زاوية يمكن البدء، لذلك فقد ارتأيت أن ألجأ للأسلوب المبسط وذلك بوضعها في نقاط، وكما يلي:
1. استفتاء بريطانيا : فقد صوت البريطانيون بنسبة (51.89%) على خروج بلدهم من الاتحاد الأوروبي، نتيجة أصبحت محل دجل ونقاش كبير وهذا لا يهمنا، ما يهمنا في الحقيقة هو أسبابها، حيث يعود السبب الرئيسي لتفوق الرغبة بالخروج من الاتحاد الأوروبي على البقاء فيه هو إلى شعور البريطانيون بأنهم مهددون في وطنهم بسبب تدفق الأيدي العاملة الرخيصة من دول شرق أوروبا، وكذلك تدفق اللاجئين بسبب إلتزام بريطانيا بقرارات الاتحاد الأوروبي، إذاً فقد أعطى البريطانيون الأولوية للمصلحة الوطنية على المصلحة الاوروبية، وكان تصويتهم نابع من تفكير موضوعي بعيد عن العواطف والمشاعر والجوامع التي تربطهم بجيرانهم الأوروبيين.
2. تطبيع العلاقات التركي-الاسرائيلي: لا شك بأن الرئيس التركي أردوغان قد بنى خلال السنوات السابقة شعبية كبيرة في العالم الاسلامي وبخاصة لدى أبناء الامة العربية، وذلك بفضل ما أقدم عليه من خطوات تجاه فك الحصار عن قطاع غزة، والتي وصلت إلى درجة التصادم المباشر مع القوات الاسرائيلية من قبل سفن المساعدات التي أرسلها أردوغان، وقد أدت هذه الأفعال إلى نتائج سلبية كبيرة على تركيا حاول أردوغان جاهداً تجاهلها، فمن المعلوم بأن العلاقات الاقتصادية والأمنية والسياحية والتبادل العلمي والتكنولوجي بين البلدان كان في أوجه، والمشاريع المشتركة بينهما كانت تنمو وتتطور، وكل هذا تراجع بشكل كبير وظهرت أثاره سلباً على معظم القطاعات التركية المذكورة، وبخاصة في المجالين العسكري والأمني، فالصناعات العسكرية التركية تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا التي توفرها لها الصناعات العسكرية الاسرائيلية، ومن الناحية الأمنية تراجع التنسيق الأمني بين البلدان مما أدى إلى فقدان الأجهزة الأمنية التركية حليفاً إقليمياً قوياً ومؤثر فأضعف من قدراتها، بناءً على ما سبق فإنه يبدو واضحاً بأن لغة العقلانية والموضوعية قد عادت إلى أردوغان، فقد أدرك بأنه لا الدول الاسلامية ولا العربية استطاعت أن تعوض تركيا عن الخسائر والفراغ التي خلفته القطيعة مع اسرائيل، وأن تحقيق الحرية والكرامة لغزة ستدفع تركيا مقابله ثمناً باهضاً لا تقدر عليه.
3. اعتذار أردوغان لروسيا: قبل أن تسقط تركيا القاذفة الروسية SU-24 كانت العلاقات الروسية-التركية في أوجها، وكان كلا البلدان يرى في الآخر دولة جارة وصديقة يعتمد عليها، فالتبادلات التجارية بينهما كانت الأكبر ، فالأتراك كانوا الشريك التجاري الرئيسي لروسيا وكذلك الروس بالنسبة لتركيا، وكانت الشركات التركية تحظى بالأولية في المشاريع الروسية الكبرى كما حصل في بناء المدن الرياضية في أولمبياد سوتشي الشتوي، وفي نفس الوقت كانت شركات الطاقة النووية الروسية هي الشريك المفضل الذي كانت تنوي تركيا الاعتماد عليه لبناء عشرات المفاعلات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية في تركيا، هذا عدا عن التنسيق الأمني والاستخباري بين البلدان، ولكن عندما تم اسقاط القاذفة الروسية إنهار كل هذا، ولم يقتصر الأمر على الجوانب الاقتصادية بل تعداه إلى الجانب الأمني، فالتفجيرات المتتالية التي تشهدها المدن التركية والتي تهدد قطاع السياحة التركية الذي يعتبر مورداً رئيسياً للدخل، تلك التفجيرات التي قامت بها داعش وجماعات كردية لم تكن لتتم بالحجم والصورة التي حصلت بها، لو لم يتوقف التعاون الأمني بين تركيا وروسيا من جهة بسبب حادثة اسقاط القاذفة وتركيا واسرائيل من جهة أخرى بسبب دعم تركيا لغزة، وبناءً عليه فإن رسالة الاعتذار التي بعثها أردوغان للرئيس الروسي بوتين عن اسقاط الطائرة وقتل الطيار الروسي، تعتبر صحوة أردوغانية ترى بأن مصالح تركيا الوطنية هي أولوية على أية مصالح أخرى مثل دعم الحرية والكرامة لشعب يُقتل من قبل نظام غاشم.
4. العلاقات التركية المصرية: إن عودة المياه إلى مجاريها بين تركيا من جهة وكل من روسيا واسرائيل من جهة أخرى يدفعنا للتسائل، وماذا عن مصر ؟ فبعد أن قام أردوغان بدعم الرئيس الاخواني محمد مرسي وما زال حتى بعد ازالته من الحكم، واستعدى الحكم المصري الجديد وأغلبية الشعب المصري، ألم يأن الأوان للتخفيف من تلك العدائية لفتح صفحة جديدة بين هاتان الدولتان الاقليميتان الكبيرتان؟ حتى الآن تبدو الاجابة بالنفي، لأنه ببساطة لا توجد مصالح حقيقية كبيرة بين البلدان (اقتصادية أو أمنية)، على عكس العلاقات التركية مع روسيا واسرائيل.
5. نتائج التطبيع والاعتذار: لا شك بأن نتيجة ما قام به أردوغان تجاه روسيا واسرائيل ستنعكس ايجاباً على تركيا، فمن الناحية الأمنية تحديداً إذا عاد التنسيق الأمني بين هذه الدول إلى سابق عهده فإنه بلا شك سيؤدي إلى الحد من الهجمات الارهابية على تركيا أو على الأقل سيتم الحد من قدرتها وتأثيرها، ومن الناحية الاقتصادية فإن الاقتصاد التركي ومعه الروسي سيبدآن بالتحسن قريباً.
6. الانعكاسات على الواقع العربي: فيما يتعلق بسوريا من الواضح بأن تركيا فضلت مصالحها الوطنية على مصالح المعارضة السورية، وهذا سينعكس سلباً على تلك المعارضة نتيجة إعادة العلاقات مع روسيا، وسيضعف أيضاً قدرة الدول العربية التي تدعم المعارضة السورية، ولكن من وجهة نظر إيجابية يمكن أن تشكل إعادة العلاقات المزيد من التنسيق بين البلدان للتسريع في إيجاد حل سريع للحرب في سوريا وبخاصة أن كل من تركيا وروسيا تعانيان من أعبائها، أما بالنسبة للعلاقات التركية-العربية فعلى الرغم من المناورات العسكرية المشتركة العديدة التي تم إجرائها، والاتفاقيات التي وقعتها تلك الدول مع تركيا لتعزيز التعاون والتبادل التجاري معها، إلا أن الاختلاف البنيوي بين تركيبة الاقتصاد التركي المعتمد على تصدير المنتجات المصنعة والزراعية وتركيبة الاقتصاديات العربية المعتمدة بالاساس على تصدير الطاقة لم تُسهم في خلق شراكة اقتصادية حقيقية.
7. موقع إيران: لقد ساهم الدور الذي لعبته تركيا (السُنية) في سوريا إلى خلق توازن مع التدخل الايراني (الشيعي) في هذا البلد، وإذا عادت العلاقات التركية-الروسية وتطورت فإن هذا لا بد وأن يحد من التدخل التركي في سوريا مما سيصب في مصلحة تعزيز الدور الايراني، وبصورة عامة ستتأثر الدول العربية والخليجية تحديداً حيث ستفقد حليف (ولو شكلي) كان مجرد وجوده يعتبر تعزيز لمواقف تلك الدول أمام الأطماع الإيرانية التوسعية.
بناءً على ما سبق يمكننا استخلاص النتائج التالية التي يجب أن يعيها الحكام والمحكومين وهي:
أولاً: يجب أن لا يرهن أي شعب مستقبله بمستقبل اتحاد اقليمي أو دولي أو دعماً لتنظيم معين.
ثانياً: أن الشرط الاساسي لدخول أي اتحاد أو دعم أية جهة، هو تحقيق المصالح الوطنية أولاً، وعندما تتعارض المصلحة الوطنية مع مصلحة الغير فيجب أن تُبدى المصلحة الوطنية.
ثالثاً: المصلحة الوطنية تتجاوز البعد العرقي والديني، فليست العلاقات مع الدول الصديقة أو الشقيقة (العربية والاسلامية) هي أساس المصلحة الوطنية، بل يمكن تحقيقها بعلاقات أقوى مع دول مختلفة من ناحية العرق أو الدين.
رابعاً: ان مصالح الشعوب لا تتحق بتأجيج المشاعر والعواطف العرقية أو الدينية، بل تتحقق بالنتائج الملموسة التي تنعكس على الاقتصاد على شكل أرقام إيجابية، وعلى تحقيق الأمن والأمان.
والله ولي التوفيق

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى