الخديعة الكبرى – 5 / د . هاشم غرايبة

الخديعة الكبرى – 5

البعد الإقتصادي :
يقول أستاذ الإقتصاد “اولريش شيفر” في كتابه الشهير “انهيار الرأسمالية”: { إن مستقبل النظام الرأسمالي يتوقف على مدى التغيير الذي سيطرأ على الأخلاقيات السائدة في المجتمع، وعلى إدراك الجميع أن مبدأ المسؤولية الاجتماعية لا يقل أهمية عن مبدأ السوق الحرة، أما إذا تجاهل المجتمع هذه الحقيقة فإن اقتصاد السوق معرَّض للمصير نفسه الذي تعرضت له الاشتراكية؛ الانهيار والاختفاء من الوجود.} .
جاء نشر هذا الكتاب بعيد أزمة عام 2008 الإقتصادية التي كادت تؤدي إلى انهيار النظام الإقتصادي العالمي برمته، عندها تنبه قليلون الى هزالة ضمانات الإستقرار في النظام الرأسمالي، وفورا هبّت القوى الخفية ( تحالف العائلات الثلاث : روتشيلد وروكفلر ونيومان ) والتي تمسك بتلابيب الإقتصاد الغربي، هبت لنجدة المصارف التي باتت على وشك الإنهيار، ليس بدافع الشهامة طبعا، بل للإسعاف العاجل لعنصري حياة الرأسمالية وهما النظام المصرفي والأسواق المالية .
سنستعرض باختصار ومن غير بحث متعمق بسبب تواضع معارفي الإقتصادية، الحلول التي يقدمها الإقتصاد الإسلامي للمشاكل التي قد تكون الرأسمالية قاصرة عن حلها بسبب الخلاف الجوهري البنيوي لكليهما .
لكن قبل ذلك سنبدأ باستعراض المشكلات القائمة والمتفق عليها ، والتي قد تكون الفكرة الرأسمالية فاقمتها .
ظهرت الرأسمالية كمذهب ناتج عن ظهور المدرسة الطبيعية التي سادت أفكارها فرنسا في القرن الثامن عشر وهي تقديس حقوق الإنسان وتركه يعمل كما يحب، أي أن الإنسان حر في كل تصرفاته الاقتصادية ينطلق كما يشاء بعيدا عن تعاليم الدين أو القيم الأخلاقية، لذلك كانت نظاما متوحشا يخلو من الرحمة ، مع الزمن فطن فلاسفة النظام الرأسمالي الى بعض من مساوئه، فأدخلوا بعض الإجراءات ذات الصبغة الاجتماعية كالرعاية الصحية والضمان الاجتماعي ورعاية الشيخوخة.
لكن أهم عيوب الرأسمالية بقيت، وأهمها:
1 – تبين خطأ مقولة {أن ترك الحرية للسوق، لأن قانون العرض والطلب كفيل بتنظيمه}، يقول الاقتصادي الحاصل على جائزة نوبل “جوزيف ستيغليتس”:{ لقد علَّمتنا أزمة الكساد الكبير أن السوق غير قادرة على تسوية الأمر}. ففي عام 1930 استمر الإقتصاد عليلا لعشرة أعوام حتى قامت الحرب العالمية بتحويل الأنظار عن الأزمة.
2 – يذكر “فوكوياما” في تحليله لأسباب الأزمة أنها تعود الى اعتماد الرأسمالية على ركيزتين: الأولى نظرية الندرة والتي تعتبر السبب الرئيس لانتشار الفقر و استعصاء علاجه، والثانية نظرية القيمة التي أدت الى ظهور نوعين من الاقتصاد: اقتصاد حقيقي و اقتصاد افتراضي وهمي. لقد ظهر أن ما كان يعتمد عليهما السوق ( القطاع المصرفي والسوق المالي ) هما عالة على الإقتصاد الرأسمالي وليستا عنصرا حياته، كونهما مبنيان على الإقتصاد الوهمي، ويتوجب حماية حقوق المواطنين الذين هم في الأساس أصحاب الأموال التي تُضخ في لعبة متكررة من بناء الاقتصاد الوهمي القائم على أرصدة لا يمكن أن تتحول إلى القطاع الإنتاجي أو الاستهلاكي بصورة حقيقية، لأنها مجرد أرقام مضللة.
3- لمّا كان النظام النقدي العالمي هو روح الرأسمالية فالوضع مفزع كونه مهدد بالسقوط بسبب سحب الغطاء الذهبي أمريكياً، مما يجعل النقد بأكمله في مهب الريح لأن الذهب هو الضامن الموثوق وليس القرار السياسي.
4 – جاءت العولمة كإحدى أدوات الرأسمالية لكنها لم تؤدي إلا الى نمو الكارتيلات الإقتصادية العملاقة مقابل اندحار الصناعات المحلية التي تعتمد عليها اقتصادات الدول النامية، ولم تحز على ثقة الناس،حتى أولئك الذين يفترض أن تحقق الرخاء لهم، ففي استطلاع الرأي عام 2010 أشارت إلى أن نحو ٨٠ %من مواطني أميركا وألمانيا يعتقدون أن العولمة خطر يتهددهم.
هذه أبرز عيوب الرأسمالية إقتصاديا وليست جميعها.. وغداً سنكمل بإذن الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى