أبو محمد والبلان / رائد عبدالرحمن حجازي

أبو محمد والبلان

المواطن الغلبان وقع بين مطرقة سياسات الحكومات الرشيدة المتعاقبة وسندان الغلاء والإحتكار . هذا ما هو حاصل هذه الأيام . فربما البعض لديه دخل ويستطيع التغلب على هذه المشكلة , ولكن الغالبية لا أظنهم قادرين على ذلك . بالأمس طُلب مني ثمن كيلو البطاطا دينار وربع وبدون تردد تراجعت عن الشراء لأنني شعرت بالخورفة والخوزقة معاً . وفي تلك اللحظة أول من خطر ببالي رحمة العم أبو محمد ومن هم على شاكلته . اليكم حكاية العم أبو محمد والتي نشرتها قبل الأن .
أبو محمد والبلان
كان يزور الحي الذي كُنت أسكنه مرتين يومياً الأولى صباحاً والثانية بعد الظهر . وكانت مكنسة البلان ذات العصا الطويلة , وعربة بعجلتين عليها برميل معدني أعطاه الصدأ اللون البني هي كل ما بحوزته .
نظافة الحي بالكامل كانت منوطةً به , غبار الطريق كان يجمعها بمكنسة البلان والتي كانت تقشط الشارع وكأنها ألة معدنية ذات أسلاك فولاذية , هذا ما كان في الشارع أما البيوت فكان كلما مر ببيت يطرق الباب بأدب ويتراجع بعيداً عن الباب ينتظر أحد ساكنيه ليُعطيه دلو حديدي وقد جُمعت فيه نفايات الأمس , ليُفرغه في البرميل البني ويُعيده لأصحابه .
هكذا كان برنامج العم أبو محمد صاحب الجبهة السمراء والتي حفرتها خطوط التجاعيد التي تُخفي تحتها مرارة الأيام وضنك العيش , ومع ذلك كان دائماً بشوشاً يُمازح الصغار قبل الكبار بكلماته العفوية . كان يتعفف ويتردد في قبول بعض الأُعطيات له والتي كانت عن طيب خاطر وتخلو من المِنَّةِ , لا بل أن البعض كان يُجالسه ريثما يشرب كاسة الشاي أو كأس ماء بارد في أيام الحر .
لم يكن يتذمر أو يشكو همه لأحد . أبو محمد رحمه الله رحل منذ زمن ورحلت معه مُكنسة البلان وعربة البرميل . ولكن الطريق لا زالت مكانها يتعاقب عليها ذوو الجبهات السمراء ولكن تجاعيد جباههم أكثر عُمقاً وأكثر تعرجاً تقول لمن تلاقيه هيهات يعود زمن أبو محمد حيث لا رفع ولا زيادة , فلم نعد نستطيع أن نُخفي هُمومنا ولا آلامنا كما كان يفعل أبو محمد , فقد قهرتنا الظروف وتغلبت علينا وكأنها خناجر تطعنُنا صباحاً ومساءً .
كل الإحترام والتقدير لكل عامل وطن .

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى