متى تسدل الستارة ؟ / جمال الدويري

متى تسدل الستارة ؟

الانترنت، السوشال ميديا، او وسائل التواصل الاجتماعي، فيس، تويتر، انستيغرام…الخ، تقنيات ووسائل نقل حديثة وسريعة وفعالة، للمعلومة والخبر، بكل الأشكال والأنواع، وبسرعة غير مسبوقة، حتى ان التواصل المباشر والبث المباشر، بالصوت والصورة، قد اختصرت المسافات والزمن الى الصفر، بل ان الموبايل الذكي قد اصبح بين يدي طفل لم يزر المدرسة بعد، محطة اذاعة او تلفزيون لا حدود لها، وفضاء لا يحجبه الا عدم دفع فاتورة النت فقط.
وقد اخاف هذا الفضاء المفتوح اللامتناهي، بعض الأنظمة والحكومات، التي درجت على تغذية وتجهيل الشعوب وسلب حق المواطن بالمعرفة، واحتكرت حقه بالاطلاع، بتغذيته بما تريد له ان يعرف فقط، صدقا او كذبا، بصحف لا تنشر الا (كلام جرايد) وراديو وتلفزة تعد بها الكلمات وتخنق على اثيرها الأنفاس، ويوجه الشهيق والزفير من لدن ارواح الرقابة الجنية الرسمية ومقصات الرقيب التي لا تغادر صغيرة ولا كبيرة.
ولما كان من غير الممكن، تقنيا، لهذه الأنظمة التي فوجئت بهذه الثورة التقنية الاليكترونية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات، وسهولة الحصول عليها وبكلفة زهيدة، وأفاقت على تدفق كثيف سريع بلا حدود، للمعلومة والخبر، بل صنعهما ونشرهما من اي جغرافيا عالمية، تتوفر على اتصال بالشبكة العالمية للمعلومات، وولدت مع ثورة الاتصالات هذه، مشاكل الأنظمة والحكومات، مع موضوع الرقابة والمقص والرصد والتحكم والتغذية الموجهة والراجعة، ارهقت الأجهزة الحكومية وأسقط في ايديها، ان كرة الثلج المعلوماتية، قد فاقت كل تصور واحتمال، وكذا امكانيات مواجهتها او توجيهها.
وبعد الصدمة الأولى والترويع، استفاقت تلك الأجهزة على ادراك ضرورة المواكبة والتطور وأخذ شكل الاناء العام الحاوي للكلمة والمعلومة الرقمية التي تخطت حدود المستحيل بكثير، وتفتقت الأذهان عن نظريات وممارسات وتكنولوجيا وتشريعات ضابطة، اعتقد البعض معها ان الأمور باتت تحت السيطرة، وان حليمة قد تعود الى عادتها القديمة، ولكنهم افاقوا مرة اخرى، على حقيقة ان رقابتهم وتقنياتهم وتشريعاتهم، لا تعدو كونها حجرة صغيرة وضعت في طريق سيل او شلال جارف، بانحدار وحجم كبيرين، لا هي اغلقت طريقه، ولا حتى اخرت جريانه او حدت حتى من صوت هدره.
فعملوا على المسير مع التيار، وحاولوا تغذية هذا السيل، بالماء التي يرغبون، او اعتقدوا ذلك، فنشروا المعلومة الملفقة، وبثوا الصوت والصورة الثابتة والمتحركة كما يريدون لها ان تنتشر، بل شكلوا دوائر ومعامل لتصنيع هذا الزيف المقصود، ولكنهم افاقوا مرة جديدة على كابوس ان المواطن الاعلامي والطفل المتقن لاستخدام تقنيات الموبايل وبرامجه وكاميراته، بل وبرمجيات التنقية وفحص المعلومة ومصداقيتها، قد سبقهم بخطوات ضوئية، وبز صنعتهم بطلاسم ابطال ونقض. واختلط الحابل بالنابل، وسجلت العامة بامكانياتها العادية، الفوز بجولات وجولات على منحوتات المحترفين من نضال الثائرات الخبيثة من طراز ( احنا الثورة) وماريونيتات المواجهة الرخيصة بين الدراج والرزاز، او حتى ملهاة الحجة قذيعة اللسان والشرشف واسقاطاته الواضحه.
وبعد كل هذا…رسخت حقيقة الحقائق وأس المنطق والحكمة من جديد، وتكرست موضوعية علمية رشيدة، ومقولة السلف الصالح، ان حبال الكذب قصيرة، وانتصار التدليس والزيف ليس الا كسب معركة وليست حربا.
وان تشريعات ونظم المنح والمنع، بكل موادها وفقراتها ليست الا قطرات بسيطة على صفيح ساخن لا تسمن ولا تغن عن صدق ووضوح وتشاركية حقيقية بين اطراف المعادلة.
وبقي السؤال برسم الاجابة: متى تسدل الستارة، دون هذا اللهو ومسرح الهزل الأسود، واراجوزات الزيف والتدليس المكشوفة؟ متى؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى