#خبز_الشعير / د. هاشم غرايبه

#خبز_الشعير

أصدرت الخارجية الأردنية بيانا مفاجئا في شدة لهجته إزاء اعتقال النظام السوري لمواطنين أردنيين، بعد فتح الحدود معه، وتقديم مبادرات رسمية وبرلمانية لترطيب الأجواء معه، مقابل برود شديد من قبله.
هنالك مثل شعبي يقول: “فلان مثل خبز الشعير، مأكول ومذموم”، ويضرب فيمن لا يطلب نفعه إلا حينما ينعدم البديل، لكنه مع ذلك لا يشكر فعله.
هذا المثل يصدق في حالة الأردن بين أشقائه العرب، فهو على صغر حجمه وتواضع مقدراته، إلا أن قدره أوجده على أهم ثغر من ثغور الأمة وأخطرها، كونه في الواجهة المجابهة لعدو الأمة الرئيس، والمتفوق على كل العرب مجتمعين، وفوق ذلك فهذا العدو جشع لا حدود لطمعه ولا ضابط لصلفه، كونه يحظى بدعم القوى الكبرى وحماية أقوى أقوياء العالم.
صحيح أن ذلك كان نتاج تدبير بليل، فرسمت حدود (سايكس بيكو) بخبث، بحيث يكون الأردن القطر الوحيد في بلاد الشام المحروم من مشاطئة البحر المتوسط لكي يبقى هذا الثغر ضعيفا محتاجا الى الآخرين، فلا يقوى على مناجزة العدو المتربص بالأمة.
لذلك تريده الأقطار الشقيقة أن يذهب هو وربه ليقاتل دفاعا عنها، وتبخل عليه بما يستحقه المرابط من دعم، وإن دعمته يكون بالفتات الذي لا يقيم أودا ولا يغني من جوع.
لم يكن ذلك الحال نتاج تآمر الغرب مع بعض أبناء الأمة في مطلع القرن العشرين فقط، بل إن موقعه الهام متوسطا بين أعرق حضارتين وهما حضارة وادي النيل وحضارة بلاد الرافدين، جعله مكانا استراتيجيا فظلت السيطرة عليه هدفا للطامعين من الشرق والغرب طوال الحقب التاريخية.
عندما أشرقت الشمس على العرب لأول مرة في تاريخهم ببزوغ فجر الإسلام، كانت الأردن هي الوجهة الأولى لجيوش التحرير، فكانت معركة اليرموك الفاصلة التي آذنت باندحار الإستعمار الروماني عن كل بلاد الشام، وفيما واصل خالد بن الوليد فتح الشام، لكن أبا بكر خصص لأجناد الأردن أربعة جيوش ، لذلك تجد أن أكثر بقعة في الكون زاخرة برفات الصحابة الكرام هي أرضه، فمنهم من استشهد فيها لتحريره، ومنهم من قضى نحبه فيها وهو ينشر الدعوة والعلم.
يحلو لبعض من يعتبرون أنفسهم دعاة للقومية والوحدة العربية ترديد مقولات عن أن الدفاع عن الأردن هو استغراق في القطرية، وترسيخ لنهج تقسيمة (سايكس بيكو)، وقد ظل كثير من الأشقاء العرب لا يتقبلون فكرة أن الأردن وطن، بل مجرد ساحة، متناسين أن تأسيس الأردن ككيان قطري تزامن مع تأسيس باقي الأقطار العربية، ولم يكن سلخا له من أقطار موجودة، فظل القوميون السوريون يعتبرون الأردن وفلسطين ولبنان جزءا من سوريا السياسية، لكن الأقطار الأربعة (بما فيها سوريا بحدودها السياسية الحالية) هي إسمها بلاد الشام، وصحيح أن ترابطها عضوي تاريخيا، لكن الأقطار الثلاثة ليست أجزاء مقتطعة من القطر السياسي المسمى حاليا الجهورية العربية السورية.
هذا التوضيح ضروري لفهم تصرفات النظام السوري تجاه الأردن ولبنان، وكأنها يجب أن تكون تحت هيمنته.
لقد عانى المواطنون اللبنانيون كثيرا من هذه التصورات الخاطئة، وربما كانت كثيرا من مشاكلهم نتاج التصرفات التي صبغت نظرة النظام الأسدي الى لبنان وكأنه ساحة خلفية له، وقد حاول تطبيق ذلك مع الأردن، مستغلا حزب البعث لتأسيس قواعد نفوذ شعبية، لكن وعي الشعب العربي الأردني، واستغراقه في الإنتماء للأمة، قطعا الطريق على أحلام النظام السوري في بسط الهيمنة.
من هذا المنطلق كان الأردن يسعى دوما لجعل العلاقة الأخوية القومية مانعا من التغول القطري للنظام الجار بذريعة الإلتحام القومي والوحدة و..وما الى ذلك من الشعارات المطربة الخادعة.
جرت محاولة عسكرية عام 1970 بذريعة الإنتصار للمقاومة الفلسطينية، فدخلت قوات سورية المنطقة الشمالية من الأردن وسيطرت عسكريا ثلاثة أيام، وقد كان وقتها حافظ الأسد وزيرا للدفاع، ويبدو أنه قد تمت تفاهمات بينه وبين الأمريكان، إذ انسحبت القوات ثم قام بانقلابه الذي سماه الحركة التصحيحية، ومن يومها توقفت الإنقلابات في سوريا بقدرة قادر واستتب الأمر لعائلة الأسد الى يومنا هذا.
الأردن سيبقى أرض الحشد والرباط كما بشر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنه منطلق تحرير فلسطين وتوحيد الأمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى