هل بدأ التحالف المؤيد للأسد في الانهيار؟

سواليف

كيف يمكن لأمريكا مواجهة إيران والحد من طموحاتها في سوريا؟ الجواب يكمن في تفكيك التحالف الموالي للرئيس بشار الأسد، حسب مقاربة نشرها إيلان غولدنبرغ ونيكولاس هيراس من معهد الأمن الأمريكي الجديد على موقع “فورين أفيرز. وقد وبدءا فيها بالحديث عن اللهجة الشديدة التي تميز بها خطاب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيوفي 21 أيار(مايو) والذي أعقب إعلان الرئيس دونالد ترامب الخروج من الاتفاقية النووية.

وتعهد بومبيو بملاحقة الحرس الثوري الإيراني والجماعات الوكيلة له في كل أنحاء الشرق الأوسط. ولكن اللغة الخطابية لم تقرن بعد بالعمل، خاصة أن الولايات المتحدة ظلت تصارع ولسنوات مشكلة تشكيل استراتيجية تحتوي من خلالها إيران وتوقف تأثيرها في سوريا التي باتت من اسخن الجبهات المتنافس عليها في الشرق الأوسط. وتحمل مقاربة الكاتبين لهجة متفائلة إذا أن نتائجها قائمة على الصدع المفترض بين حليفي النظام السوري إيران وروسيا. فمن جهة تريد طهران تدعيم مكاسبها في سوريا وممارسة الضغط على إسرائيل. ومن جهة أخرى هناك النظام السوري وحزب الله وروسيا الخائفين من مواجهة عسكرية شاملة مع إسرائيل قد تقوض كل ما قاتلوا من أجله ولعقود في منطقة الشرق الأوسط. ويقدم الإنقسام لواشنطن فرصة تتمكن من خلالها كبح الطموحات الإيرانية في سوريا.

وفي البداية يبدو وضع الأسد قويا مقارنة بعام 2012 عندما بدأت المعارضة المسلحة تبني زخما ضده. وحقق النظام على مدار العامين الماضيين سلسلة من الإنجازات خاصة المناطق الاستراتيجية حول العاصمة دمشق وحمص وحلب ولم تعد المعارضة قادرة أو تملك الإرادة لمنعه من كسب الحرب. وكانت روسيا محورية في حفاظ الأسد على موقعه في الحكم إلا أن إيران استخدمت تدخلها في سوريا لبناء سلسلة من القواعد العسكرية. ومكنت الإستثمارات التوسعية الحرس الثوري الإيراني من إعادة تشكيل عدد من قطاعات الأمن التابعة للأسد ووفر لحزب الله فرصة “من السماء” لينشر ألافا من مقاتليه في سوريا واستورد ألافا آخرين من أفغانستان والشيعة العراقيين واليمنيين للقتال نيابة عن الأسد. وبالإضافة لهذا قام الحرس الثوري بتجنيد وتشكيل ميليشيات محلية شملت على مقاتلين من مختلف الطوائف. وأصبح الحرس الثوري منخرطا في الإقتصاد السوري وحصل على عقود لإعادة بناء شبكات الإتصال وصناعة المناجم. وبناء على هذه المعطيات تحاول إيران استخدام قواتها في سوريا لبناء ضغط استراتيجي على إسرائيل. وتحاول مساعدة حزب الله على إنشاء مصانع لإنتاج الصواريخ داخل لبنان وعلى الحدود اللبنانية- السورية ولم تتوقف عن تزويده بالأسلحة المتقدمة لاستخدامها وتهديد إسرائيل. وقامت إيران في الأشهر الأخيرة بسلسلة من النشاطات قرب الحدود مع إسرائيل وشنت هجوما صاروخيا على الجانب المحتل من الجولان استدعى ردا انتقاميا من إسرائيل. إلا أن الدافع للمواجهة هي النقطة التي تتصادم فيها أولويات إيران مع مصالح الأسد وحلفائه الآخرين. ففي الوقت الذي يقوم فيه الأسد بتدعيم حكمه يقوم مع حلفائه بمحاولات لتطبيع وجوده والحصول على تمويل لإعمار سوريا. ومع أن الأسد لن يحصل على تمويل من الدول الأوروبية إلا أنه يأمل باستثمارات من الصين والهند والبرازيل وحتى بعض الدول الاوروبية التي تبحث عن استثمارات مثل إيطاليا، لكل هذا لا يبحث الأسد عن المواجهة مع إسرائيل القادرة بقوتها العسكرية على إحداث ضرر كبير داخل سوريا بشكل يعرقل جهود التطبيع وإعادة البناء. وأكثر من هذا فلن يكون هناك استثمارات دولية حالة استبدلت الحرب الأهلية بمواجهة بين إيران وإسرائيل داخل سوريا.

وبنفس السياق ترغب روسيا بتجنب المواجهة الجديدة خاصة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد إنهاء الحرب بطريقة تمنحه السمعة والمكانة الدولية التي يبحث عنها. وتريد موسكو تقوية سيطرتها على القاعدة البحرية في طرطوس والقاعدة الجوية الوحيدة في الشرق الأوسط، حميميم التي تقوم بتوسيعها لدعم عملياتها العسكرية المستقبلية في المنطقة. ويرغب بوتين بتأمين عقود إعمار لحلفائه خاصة تلك المتعلقة باحتياطات الغاز الطبيعي على الشاطئ السوري والصحراء السورية في الوسط والشرق من البلاد وأي مواجهة عسكرية مع إسرائيل ستعرض كل هذه الطموحات للخطر. أما حزب الله فهو قلق من حرب جديدة خاصة بعد تقوية مكانته السياسية في الانتخابات الأخيرة وصده محاولات تنظيمات مثل القاعدة وتنظيم الدولة بناء قواعد لهم داخل لبنان وشن هجمات منها على سوريا، فحرب جديدة قد تدمر كل هذا وما بناه الحزب منذ الحرب الأخيرة التي خاضها مع إسرائيل عام 2006. ويواجه الحزب مع ذلك تحد في العلاقة مع الحرس الثوري الإيراني. ففي الوقت الذي كان فيه الحزب هو الجماعة الوكيلة التابعة له في الشرق بحيث منحه ورقة نفوذ على راعيه إلا أن قادة الحرس الثوري ومنذ بداية الحرب الأهلية أنشأوا عددا من الميليشيات المحلية داخل سوريا. ويظل السؤال مفتوحا حول قدرة الحزب رد طلب من الحرس الثوري المشاركة في أية مواجهة ضد إسرائيل.

إسرائيل وروسيا

ويرى الكاتبان أن الانقسامات هذه تعزل إيران عن شركائها في سوريا. ففي الهجمات الأخيرة التي نفذتها إسرائيل برضى أو بتعاون روسي، اختارت روسيا عدم جمع قواتها مع تلك التابعة لإيران، بشكل يمنح إسرائيل وبناءً على اتفاق تجنب الصدام في الأجواء السورية ضرب الأهداف الإيرانية في أي وقت تريد. وتمثل الغارات الإسرائيلية الأخيرة تذكيرا لموسكو بأهمية ألا يمارس الحرس الثوري نشاطاته في المناطق التي يسيطر عليها النظام وتحويلها لقواعد خلفية ضد إسرائيل.

ولم يفت الكاتبان الإشارة للخلافات بين روسيا وإيران حول وجود القوات الاجنبية في سوريا مع انخفاض وتيرة القتال. ففي أيار (مايو) قال بوتين إن على القوات الأجنبية مغادرة سوريا. ووضح سفيره في دمشق ألكسندر لافرنتيف أن المقصود هي القوات الإيرانية والامريكية والتركية والميليشيات الشيعية الأجنبية ولكن ليس إسرائيل، فردت وزارة الخارجية الإيرانية غاضبة أن لا أحد يملك الصلاحية إملاء ما يريد على إيران. وهناك تقارير عن طلب الأسد من الإيرانيين مغادرة المناطق الجنوبية في مناطق خفض التوتر قرب الحدود الأردنية. وربما فضل الأسد العمل مع الروس من خلال عمليات مصالحة مع الجماعات المسلحة المحلية مقابل حصولها على نوع من الاستقلالية. ولو صحت التقارير عن سحب قوات الحرس الثوري من مناطق الجنوب خاصة درعا فستكون خطوة كبيرة للأردن وإسرائيل. وقد تخدم كنموذج للطريقة التي يتم من خلالها الحد من الطموحات الإيرانية عندما تواجه بمعارضة موحدة من الأسد وحزب الله وروسيا وتهديد من إسرائيل.

خيارات واشنطن

وهنا يتساءل الكاتبان عن خيارات واشنطن. ويقولان إن محدودية الحضور الأمريكي في مناطق الغرب حيث الوجود الإيراني القوي يحد من نفوذ امريكا. ومع ذلك هناك عدد من الخطوات التي يمكن لأمريكا من خلالها توسيع شقة الخلاف بين حلفاء الأسد وبالتالي نهاية التأثير الإيراني في سوريا.

الأولى: التخلي عن وهم رحيل الأسد، فقد ظل الموقف الرسمي للإدارة التأكيد على تغيير النظام عبر الضغوط الإقتصادية ورفض التطبيع مع الأسد. وهو ما يقربه للحرس الثوري يقدم له الحماية. ومن هنا فالمصلحة الذاتية لكل من دمشق وموسكو هي الدفاع الوحيد ضد إيران. والإعتراف ببقاء الأسد لا يعني التعامل معه وهو المسؤول عن مقتل نصف مليون شخص وتشريد الملايين.

الثانية: يجب على الولايات المتحدة التأكيد وبدون لف أو دوران نيتها البقاء في شمال شرق سوريا ولأمد طويل. فهذه المناطق بالإضافة للشمال تحتوي على مصادر البلد الرئيسية من النفط والماء والزراعة بحيث يمنح ترامب ورقة نفوذ بشأن مستقبل سوريا. وعليه فتصريحاته بشأن مغادرة سوريا لا تساعد حتى لو تراجع عنها. فخروج امريكي سيوحد إيران وروسيا والأسد لاستعادة هذه المناطق. وبالنسبة لإيران فسيطرة قوات حليفة لها على هذه المناطق يساعد في حركة الميليشيات الموالية لها بين سوريا والعراق. وطالما ظلت القوات الأمريكية في هذا المنطقة من سوريا فستركز القوات الموالية للنظام على مناطق أخرى بشكل يزيد من الإنقسام داخل التحالف.

الثالثة: لا يزال لدى الولايات المتحدة ما تلعبه في الجنوب بالتعاون مع الأردن وإسرائيل. وقد دعمت جماعات معتدلة هناك تسيطر على المنطقة منذ سنين. ويجب على إدارة ترامب أن توضح علانية أن المعارضة التي تسيطر على منطقة جنوب-غرب سوريا يجب أن تحتفظ باستقلالها الذاتي وتواصل الحصول على المساعدات الإنسانسة من خلال المعابر الحدودية مع الأردن. ولدعم هذه الأهداف يجب على إدارته رفع الحظر عن 200 مليون دولار مخصصة لتمويل عمليات الإستقرار في سوريا. ويمكن تخصيص جزء من هذه الأموال لتدريب وتحويل الجماعات المسلحة إلى قوة أمن محلية ودعم مؤسسات الحكم في هذه المجتمعات. وتعتبر هذه الجهود عملية وبراغماتية ولن تؤثر على المفاوضات بين روسيا والولايات المتحدة حول مستقبل جنوب- غرب البلاد وستعطي صورة أن أمريكا لا تزال تستثمر في استقرار سوريا.

وأخيرا، فتهديد إسرائيل باستخدام القوة كما بدا من الغارات الأخيرة يعتبر ورقة ضغط ضد طهران. وبالتأكيد ستواصل أمريكا دعم إسرائيل لكن يجب أن تحث حليفتها على ضبط النفس.

وفي النهاية فاستراتيجية أمريكية تقوم على استغلال الخلافات داخل التحالف المؤيد للأسد متناسقة مع محدودية مناورة إيران التي واجهتها في الشرق الأوسط. فقد نجح الحرس الثوري من خلال التعامل مع الجماعات المحلية في سوريا والعراق واليمن والتي منحتها حرية الحركة نظرا لتلاقي أهدافها. ومع مرور الوقت فقد نلاحظ الردود السلبية من حلفائها المحليين. وربما وصل إلى جدار مغلق في داخل سوريا حيث تتباين مصالحه مع تلك التي يريد حلفاؤه تحقيقها. ويخلص الكاتبان إلى أنه يجب على الولايات المتحدة وشركائها الاستفادة من هذه الفرصة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى