السابحون في قِدر اللبن / اسعد البعيجات

السابحون في قِدر اللبن

في برامج التشجيع على الأغاني والتي انتشرت كالهشيم في النار في السنوات الاخيرة فأصبح بين كل برنامجين برنامج أخر وكأن المواطن العربي لا يعدل دماغه سوى مقطوعة بيتهوفن وأستمرت هذه الفوضى حتى وصلت البرامج في غزوها لفئة الأطفال ولا نستبعد غداً أستحداث برنامج أخر للحوامل وبرنامج للمرضعات حتى اصبح المواطن العربي لا يميز عن أي برنامج فازت ديانا كرزون ومن أي برنامج خرجت أم الحلق والفيزون.

من ضمن هذا المارثون والسباق في هذه البرامج لازم يطّلع مجموعة من المتسابقين الذين يتخيلوا أنهم من اصحاب مواهب وذوي أصوات خارقة.
وعند عقد نيتهم المشاركة في البرنامج تنهال عليه المدائح من أقرب الناس اليه وأنك بلبل زمانك.

وعندما تسأله المذيعة مين حكالك أنه صوتك حلو أو عندك موهبة ؟
فيرد أصحابي
أو أولاد الحارة
وربما أخوه الصغير سمعه ذات مرة يغني في الحمام فقال له بوجهك على برنامج أغاني.

فتفطس المذيعة ويغمى على المشاهد من الضحك ونعمل شير للفيديو لهذا النهفة الموهبة حسب تصور صاحبها.

في النهاية يحكم الجمهور ولجنة التحكيم على المتسابقين ” بامانة واخلاص ” .

الأن في أجواء التحضير للأنتخابات، هي أقرب ما يكون الى تلك البرامج وتحضيراتها ما أن يُعلن أحد النية للترشح حتى تبدأ عبارات المدح من قبل من هم حوله :
منور
ذو أخلاق
محترم
برد السلام
طيب
بنقّط بالأعراس
عاش مع الفقراء وأفترش الأرض وألتحف السماء معهم.

وكأن هذه الشروط كافية له أن يَشغل هذا المكان التشريعي.
فيصدق نفسه وبالفعل يقدم نفسه كمرشح كما ترشحت اللأمواهب لبرامج الأغاني.

والمواطن نفسه يعلم أن هذا المرشح لن يكون سوى وبال على الوطن والمواطن ويعلم أن سرعة أرتجافه عند رؤيته للمسؤول أسرع من سرعة الضوء.

ويعلم المواطن علم اليقين أن هذا المرشح يعاني من عمى ألوان كلما رأى السجاد الأحمر ولن يكون دورة أذا قُدِّر له النجاح أكثر من المشاركة في الجاهات ولبس الحطّه والكرافات.

في أحدى الجلسات مع مجموعة من الشباب ذكروا أن فلان من أقوى المرشحين على الساحة لغاية الأن وعندما سألتهم عن سر هذه القوة التي تتحدثون عنها

قالوا بالحرف الواحد
عمل عشاء للوزير السابق.
وعمل غداء للقيادي الفلاني.
وعمل فطور في رمضان من اروع ما يكون فاخر على الاخر.
بحضر جاهات

يقول ليث شبيلات نقلاً عن والدة : أنني عندما كنت أدخل مجلس الملك لم أكن أُميز بين الملك والوزير والنائب ولك أن تقارنه الحال بنائب ووزير اليوم .

في أحدى بوستات الصديق فؤاد العلوان يقول :
أن المساحة عندنا تقاس بعدد سدور المناسف بدل المتر مربع فعندما يبني أحدهم بيتاً جديداً ويأتيه ضيف ويرى الضيف إحدى البرندات أو المعرشات فيقول الضيف :
” والله ما شاء الله البرندة مرتبة بتسع ٥٠ منسف ”

مؤلم جداً أن نصل الى أن يُقاس كرسي التشريع بنفس المقياس
بعدد سدور المناسف
وقُطر سدر الهيطلية
وكثافة السمنة البلدية
وعدد صحون الكنافة
في مجتمع نسبة الأمية فيه ٣،٥ ٪ .

حالة من الأستغراب والقلق تنتابني من مجتمع بهذه الصفات،
عندما يشعر المواطن أن أبنه ضعيف في الرياضيات أو الفيزياء يُحضر له أستاذ خصوصي أو يبعثه على مركز وأذا لم يكن الأستاذ كويس يستبدله بأخر وأحتمال يبعثه الى السودان ويتحرى لأبنه الأفضل من مأكل ومشرب وملبس بينما عكس ذلك يحصل للوطن فيُصر المواطن أن يختار الأسوء والدليل المجالس النيابية السابقة.

مقلق جداً أن نكون في بلد يمتاز بأعلى نسبة من حملة الشهادات العليا وهؤلاء هم ممثلينا ولا زلنا ننتخب على مبدأ الهيطلية والمنسف.

المفارقة أن لجنة التحكيم والمواطنين في برامج الغناء بعد الضحك على بعض المواهب يختارون الأجمل صوتاً والأفضل حضوراً.

بينما عند الوطن نختار الأسوء حضوراً

وكأن الوطن أبن البطة السودة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى