نظرة سريعة في التكييف القانوني لجرائم نقل العدوى بفيروس كورونا

نظرة سريعة في التكييف القانوني لجرائم نقل العدوى بفيروس كورونا
الدكتور محمد الشبي العتوم
– جامعة جدارا

لا يحتاج فيروس كورونا التعريف، فلم يبق انسان على وجه الارض الا وبات يعرف ما هو هذا الفيروس وما هو المرض الذي ينقله الذي يشار له اختصارا (covid19). تكمن خطورة هذا المرض في سرعة وسهولة انتشاره. لذا فقد اتخذت كافة المؤسسات على مختلف المستويات الوطنية والاقليمية ما تستطيع من اجراءات لمنع انتشار هذا الوباء. في الجانب القانوني الجنائي، نجد التشريعات غالباً تنص في القوانين الوطنية على فعل نقل العدوى بمرض او وباء معدي باعتبارها من الجرائم التي تقع على الصحة العامة في قانون العقوبات أو قانون الصحة العامة.
بتتبع موقف المشرع الاردني نجده نص على هذه الجرائم كجرائم وبائية في قانون الصحة العامة، حيث جاء في المادة 22 من قانون الصحة العامة النص على جريمة اخفاء مصاب بمرض وبائي، أو تعريض شخص للعدوى بمرض وبائي، أو التسبب -عن قصد- بنقل العدوى للغير، أو الامتناع عن تنفيذ أي إجراء مطلوب لمنع تفشي العدوى. حيث يعاقب على هذه الافعال بموجب المادة 66 من ذات القانون بالحبس من شهرين إلى سنة أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة دينار ولا تزيد على ألف دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين.
بالنظر الى هذه الجرائم من حيث (التكييف الجرمي) نجد ان هذه الجرائم غير منصوص عليها في قانون العقوبات. فهل يعاقب عليها بموجب قانون الصحة العامة أم قد يظهر دور لقانون العقوبات في هذا الصدد. لمعرفة ذلك، لابد من القول بأن عملية نقل الفيروس من الشخص الحامل للفيروس الى شخص آخر غير مصاب قد تتم بأكثر من صورة. نقل العدوى من مصاب او حامل لا يعلم انه مصاب، أو نقل العدوى من مصاب او حامل يعلم انه مصاب وهذا النقل قد يكون بقصد القتل او الايذاء وقد يكون بدون قصد أي بالخطأ.
وحيث أن قانون الصحة العامة لا يمنع من تطبيق أي عقوبة أشد وردت للفعل في أي قانون آخر، وهو ما جرى تأكيده بموجب أمر الدفاع رقم 8/2020 تاريخ 15/4/2020. وعليه ان كانت العقوبات الواردة في قانون العقوبات على مثل هذه الافعال إن أمكن تكييفها من خلاله تعتبر أشد من العقوبة الواردة في قانون الصحة العامة. بالتالي لا يوجد ما يمنع من تطبيقها. ويتم ذلك الرجوع الى الاحكام العامة في قانون العقوبات.
هنا قد نكون أمام جريمة قتل (المواد 326-328 عقوبات) تتم من خلال نقل الفيروس الذي يصلح أن يكون أداة للقتل أو تحقيق الوفاة كما صدر عن منظمة الصحة العالمية، وإن لم تتحقق الوفاة فإننا نكون أمام جريمة ايذاء تتمثل بإلحاق أذى بالجسم او مساس بسلامته أو نقل المرض (المواد 333-335 عقوبات) شريطة تحقق علاقة السببية بين النتيجة وفعل النقل وشريطة قيام القصد الجرمي.
إن القصد الجرمي في هذه الجرائم يشترط توجه إرادة الفاعل نحو فعل نقل الفايروس بإرادة كاملة حرة وواعية خالية من أي عيب. وأن تتجه إرادته لتحقيق النتيجة الجرمية المتمثلة بالقتل أو الايذاء، سواء اتجهت الارادة مباشرة لتحقيق النتيجة كما هو في حالة القصد المباشر، أم غير مباشرة بأن يتوقعها الى جانب نتيجة اخرى، فيقبل بها كما هو الأمر في حالة القصد الاحتمالي. أما اذا لم يكن يقصد الوفاة إلا أنها وقعت فيسأل الفاعل عن جريمة التسبب بالوفاة (330 عقوبات). كما يشترط لقيام القصد الجرمي إلى جانب الارادة عنصر العلم الذي يستند إلى علم المصاب بأنه مصاب بالفايروس (الذي لا يثبت إلا من خلال الفحص الطبي) وأنه ما يقوم به من أفعال تشكل نقل للفايروس منه إلى شخص غير مصاب.
في هذا الاطار يمكن تصور ارتكاب جريمة الشروع ايضاً سواء بالنسبة للقتل العمد او الايذاء الجنائي العمد، الذي يعاقب عليه بموجب المواد 68 و 70 من قانون العقوبات. كما يمكن تصور عدول الفاعل عن فعله إلا أن المشرع الاردني يعاقب على العدول فقط في حالة العدول في مرحلة الشروع التام وتكون العقوبة أقل من عقوبة الشروع (المادة 70/3 عقوبات).
أشير أخيراً إلى أنه إذا لم يتوافر القصد الجرمي بالنسبة لجريمتي القتل والايذاء المقصودين فإن ذلك لا يعني عدم العقاب عليهما، حيث يجرم المشرع الاردني القتل والايذاء غير المقصودين الناجمين عن الخطأ بصوره الثلاث: الاهمال وقلة الاحتراز وعدم مراعاة القوانين والأنظمة. الأمر الذي ينطبق على جريمة نقل الفايروس من خلال عدم التزام المصاب بالاحتياطات اللازمة المتعارف عليها لمنع النتقال العدوى مثل عدم ارتداء الكمامات والعزل الصحي وعدم اخباره عن مرضه مع الاختلاط بغيره أو عدم اتباع الاوامر الصدرة بموجب القوانين والانظمة. ويعاقب المشرع الاردني جريمة القتل الخطأ وفقاً للمادة 343 عقوبات بينما يعاقب على الايذاء غير المقصود وفقاً للمادة 344 عقوبات.
وعليه فإنه من الممكن تطبيق احكام القتل والايذاء الواردة في قانون العقوبات على جرائم نقل العدوى بفايروس كورونا لقصور قانون الصحة العامة قي ذلك من جهة. ولأنه لم يمنع من تطبيق اي عقوبة أشد وردت في اي قانون بالنسبة للافعال التي ترتكب المخالفة لأحكامه. إلا أنه يجب التأني في مجال البحث عن الركن المعنوي للجرائم في هذا الظرف الدقيق والحساس، ما بين افتراض القصد وافتراض سوء النية وبين ثبوت الخطأ أو انعدام القصد ابتداءً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى