الصِــراع الإجتـِـماعّي والإنْتِــحَــار _الهَارِبونَ مِنْ بُؤس الحَياة / فداء العبادي

الصِــراع الإجتـِـماعّي والإنْتِــحَــار
_الهَارِبونَ مِنْ بُؤس الحَياة _
بقلم: فداء العبادي

“أننا، كي نتجنب تدمير أنفسنا إذعانًا لِغريزة الموتِ، نُوظِفُ غريزة الحَياة لتواجهها بِنفس القّوة، فتدفعُها خارجُ أنفسِنا مولّدةً الغرائز العَنيفة والعّدوانية فينا، وحِين نفشلُ في ذلكَ، تدفعنا غريزة الموتِ نَحْو إلانتِحار”
يَبدو أن “فرويد ” في تحليلهِ النفسي السابق يرى؛ أن لُغز الحياة ليسَ إلا صِراعٌ بين الغريزتين (البقاء-الموت ). وحين تتشبع غريزة الموت في الذات البشرية بفعل عوامل من المحيط الخارجي ” المجتمعي \الصراع الاجتماعي ” , يصبح الانتحار خيارأ أوليأ للفرد لإنهاء حياته .
– فهل ثَمّة علاقة بين مفهوم الصّراع الاجتماعي والوتيرةِ المتسارعة لِظاهرة الانتحار ؟
– وهلْ يرتكزُ الصّراع الاجتماعي على أساسٍ اقتصاديٍ كمتغيرٍ يؤثر في الفرد ,كعامل من العوامل الرئيسية المؤدية للانتحار ؟
– أم هل أصَبح الانتحار ظَاهرة طبيعية بين الأفراد كَما لوْ كان –أشبه بتطورِ تكنولوجِي في ظّل العَولَمة يتوجب مواكبته؟
إن الصّراع الاجتماعي في مفهومهِ , يأتي من غياب التوازن والإنسجام في المحيط الاجتماعي لبيئةٍ معينةٍ , متزامنٍ مع وجودِ حالاتٍ من عدم الرضْا والقبول للوضع المعيشي القائمِ من ناحية الموارد المادية كالسُلطة والمُلكِيَة والدخّل , مما يُسهم في تكوينٍ نفسّي هَشّ وعجزٍ في الذات عن تحمل المتغيرات الخارجية أو التفاعل معها لدى الافراد , بالتالي يكون عُرضةً للآفاتِ الاجتماعية والنفسية وعلى رأسِها ” الانتحار ” الذي يُعتبر إجتماعيًا (جريمة ) لكونهِ فعل خارج عن قواعد السلوك التي يَضعها المجتمع لتنظيم حَياة الافراد .
ومَا نشهده في الفترة الراهِنة من حالاتِ انتحارٍ فوضَويِة او ما يسمى ” الانتحار اللاقِياسي أو اللامعياري ” ,إنما يعكسُ ماهِية المجتمع . فهذا النوع من الانتحار كما صنفهُ “دور كايم ” يأتي نتيجةَ أزماتٍ واضطراباتٍ وتقلباتٍ مفاجئة وسريعة في النظام المجتمعي, ناتِجة عن الاوضَاع الاقتِصادية .لأنها لم تَعد كافية لمواجهة حاجات الافراد, وابتعدت عن آفاقِهم وطوحاتهِم وعجزت عَن الإستجابة لِمطالبهم واستيعابِ آمالهم ورغباتهم , لينعكس سلبأ على الافراد ,مُشكلًا حالاتٍ نفسيةٍ كالإكتئاب , الذي يمثل عامل أساسي مرتبط بالانتحار. ومما لا شك فيه أن إقدام الفرد على الانتحار يعود الى التضارب بين الآمال والأهداف وبين الظروف التي تحيط به .
إن العدالة الاجتماعية الإقتصادية تنعكس على الافراد إيجابياً في صورة تلاحم مجتمعي , وغيابها إنعكاس للصراع المجتمعي متمثلا بصور عدة ( كالانتحار وانتشار الجريمة في هذا المجتمع ),لأن العامل الاقتصادي محدد يرتكز عليه بناء المجتمع وتطوره , ومحدد لمظاهر الحياة فيه ,من سياسة ودين وقانون وفلسفة وأدب وعلم وأخلاق .
وبإعتبار أن العامل الاقتصادي يلعب دورأ في انتشار ظاهرة الانتحار لدى الافراد الذين يحاولون دفع غريزة الحياة في وجة غريزة الموت ,لانهم يعيشون بهاتين القوتين المتضادتين صراع نفسي , بسبب السعي الدائم للتغلب على “الاوضاع الاقتصادية المتردية ” من أجل حياة تتناسب ووجوده كأنسان , أحدثت هذة الاوضاع الاقتصادية فراغ في نفوس الأفراد وزرعت في أعماقهم الخوف على المصير يرافقه ضعف الإيمان , مما أدى الى إنتزاع آخر عامل اطمئنان في نفوسهم ودفع بهم الى الإنتحار .
واللافت في ظاهِرة الإنتحارِ عدم إقتصارها على مجتمعٍ معينٍ , بل انتشرت كما لو كانت مواكَبَة لتطورٍ تكنلوجيٍ في مجتمعنا المتدين المحافِظ , الذي كان في الماضي اكثر أمانا واطمئناناً . مما يدلُ على ان السلوك الإنساني والجينات الوراثية ليست الوحيدة المسؤولة عن منحى الأفراد السلوكي , بل هي عامل مشارك في التفاعل البشري مع مؤثرات البيئة الخارجية, وما يترتبُ عليها من تغيراتٍ في ميول وتوجهات الافراد وقدرتهم على التكيف مع واقع الحياة التي يعيشون فيها .
وعليه يجب أن نُدرك حقيقة الحياة الدنيا ,بأنها دارُ امتحانٍ وابتلاء (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) وما الانتحارُ إلا اعتداءٍ على شيء لا يملكهُ العبد , واعتراض على قضاءِ الله -عّز وجّل – وقَدره ( وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى