أغنية تهزمنا / خولة مغربي

أغنية تهزمنا

ينتحبُ السلام على طفولتها المسروقة في عينيها، نسمعها ونخجل من حروبنا وشتاتنا وتناحرنا، فمن يمنحها الطفولة التي هي حق لها وواجب علينا وعلى العالم أجمع، تناديه وتستجديه السلام … القليل منه فقط، وتغصّ بدمعتها وهي تنزف دماً، غِنى التي استغنى عنها العالم وقذف بها في مهب النزاعات المسلحة، ثم قذف بأقرانها على شواطئ الوجع المهجورة، بينما ضمائرنا تتدثر بالتناسي تارة، وبالقهر تارات كثيرات، تتردد كلمات الأغنية في عتم ليل أوطاننا وقلوبنا، يستدير المغنون ويمنحونها الضوء الأخضر لممارسة طفولتها، بينما يدير الجميع ظهورهم لها، وتتعامى عيونهم وتصمُّ آذانهم، عن عشرات الآلاف من الأطفال الذين قتلوا، وما يقارب المليون الذين هجروا، وحوالي ستة ملايين ونصف من الأطفال الذين دمّرت الحرب جوّانيتهم، كما انقطع عن الدراسة نحو 2،2 مليون طفل، إضافة إلى ولادة أكثر من 500،000 طفل سوري في المنفى، وهم مهددون ( بالبدون ) فلا يحملون وثائق ثبوتية ولا شهادات ميلاد!! عوضاً عن أن نصف الأطفال السوريين الذين هم في سن الدراسة لا يذهبون إلى المدارس في دول الجوار، ناهيك عن 5% منهم تسربوا من المدارس، أما من حالفهم الحظ منهم واتظموا في المدارس، فهم نهب المناهج المعدّلة تبعاً للتيارات السياسية والفكرية ذات السلطة، داخل سوريا وخارجها.
أمّا عن إشراك الطفولة في النزاعات المسلحة وجرائرها، فحدّث ولا حرج، حيث يتم إشراكهم فيها عنوة، وكذلك يتم استخدامهم كمهربي أسلحة وحمّالين ومخبرين، وكذلك في تنظيف الأسلحة وإعداد الذخيرة وتحميلها، فضلاً عن دفن الموتى بعد المشاركة في قتلهم بدم بارد بعد تشويه طفولتهم، هذا من جهة، ومن جهة ثانية هناك الاتّجار الجنسي وما يسمى بالرقيق الأبيض، والخطف والاتجار بأعضائهم الفتيّة الغضّة، والعنف الجنسي والاعتداء والتحرّش … والقائمة تطول.
أيا غِنى لقد عرّتنا عيناكِ الباكية، وأسقطت ورقة التوت عن حقوق الطفولة وهيئة الأمم المتحدة واليونيسيف والمؤسسات الدولية كلها، التي لا تفتأ تتشدق بالبنود والاتفاقيات والنصوص الزائفة، أيا غِنى كم نحن فقراء أمامكِ، فقراً مخزياً مُذِلاً إنسانياً وأخلاقياً، لقد ظننتُ سابقاً أن الغناء يُفرِح القلب، كما أنه يزيده فرحاً إذا غناه الأطفال، أما الآن فإنني أُقرُّ وأعترف أن غناء الطفولة السورية جارحة كحدّ السكين، وموجع كليل شتائي طويل بارد في منفى الروح …
من يعطيكِ الطفولة أيا صغيرتي؟؟ ومن يعطيكِ السلام أيا بنيتي؟؟؟ أية أغنية صائبة في الصميم تلك التي غنيتِ؟؟!! وأي وجع الذي أشعلتيه فينا في زمن الجحيم العربي ؟؟!!!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى